يلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس في برشلونة، رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في قمّة “بغاية الرمزية” ستدفع العلاقة بين البلدين إلى أعلى مستوياتها، في وقت تستعدّ فرنسا لاحتجاجات حاشدة وإضرابات واسعة النطاق على إصلاح ماكرون لنظام التقاعد.
واستقبل سانشيز ماكرون عند العاشرة بتوقيت غرينتش في المتحف الوطني للفنون في كاتالونيا لعقد اجتماع ثنائي قبل توقيع “معاهدة صداقة وتعاون” في إطار مراسم حافلة بحضور عدد من الوزراء.
وتنص هذه الوثيقة بالتفصيل، على تعزيز العلاقة الثنائية بين البلدين على صعيد الهجرة والدفاع والطاقة خصوصا.
وخلال تواجد الرئيس الفرنسي طيلة يوم الخميس في إسبانيا، تبدأ في فرنسا تظاهرات وإضرابات يُتوقّع أن تكون واسعة النطاق احتجاجا على إصلاحاته لنظام التقاعد التي يفرض بموجبها رفع سن التقاعد من 62 عاما إلى 64 عاما.
وفيما بقي صامتا خلال الأيام الأخيرة بشأن هذا الإصلاح الكبير خلال ولايته الثانية، من الممكن أن يعلّق على التحرّك الاجتماعي من برشلونة خلال مؤتمره الصحافي المشترك مع رئيس الحكومة الإسبانية، أو خلال خطاب أمام الجالية الفرنسية.
معاهدة “بغاية الرمزية”
ويعتبر قصر الإليزيه أن المعاهدة الفرنسية الإسبانية الجديدة “بغاية الرمزية”، مشيرا إلى أنها “معاهدة تأتي لوضع إطار أو هيكلة علاقة وثيقة بالأساس في جميع المجالات”.
وستكون هذه المعاهدة الثالثة من نوعها في أوروبا التي توقّعها فرنسا، بعد معاهدتين مع ألمانيا “معاهدة الإليزيه” في العام 1963 و”معاهدة إيكس-لا-شابيل” (معاهدة آخن) في العام 2019، ومعاهدة مع إيطاليا معروفة باسم “معاهدة كويرينالي” في العام 2021.
وقال ماكرون في مقابلة مع صحيفة “إل باييس” الإسبانية “ما سنفعله في برشلونة مهم جدا، لأن الحياة اللغوية والثقافية والاقتصادية (بين البلدين) كانت متقدمة جدا على الهيكل السياسي. لدينا علاقة صداقة حقيقية مع بيدرو سانشيز. والآن، سنعمل وضع إطار لها”.
وتسعى باريس إلى تثبيت وتعزيز علاقاتها مع جيران آخرين غير ألمانيا، خصوصا في جنوب أوروبا، في وقت شاب المحرك الفرنسي الألماني للاتحاد الأوروبي بعض القصور.
“عدد من نقاط التلاقي”
وترى باريس “عددا من نقاط التلاقي” بين ماكرون وسانشيز “بشأن جدول الأعمال الأوروبي في الأشهر المقبلة”، فيما يسعى الرئيس الفرنسي إلى تكريس “نهجا مشتركا مع مدريد” بشأن الاستجابة الأوروبية لقانون خفض التضخم، وهو مشروع استثماري كبير في مجال تحول الطاقة قدّمه الرئيس الأميركي جو بايدن.
ونهاية نونبر، اعتبر ماكرون في واشنطن أن الإعانات الضخمة المقدّمة للشركات الأميركية “شرسة للغاية”، معربا عن خشيته من تعريضها للخطر مشاريع أوروبا في مجال الطاقة النظيفة والانتعاش الصناعي.
لذلك، يسعى ماكرون إلى الدفع نحو تحرّك كبير من الاتحاد الأوروبي وقرارات سريعة لمنع انتقال الشركات الأوروبية التي تجذبها المساعدات الأميركية.
غير أن سانشيز لم يعتمد نبرة على هذا القدر من الحدة تجاه واشنطن.
فاكتفى، الاثنين، في مقابلة في دافوس مع محطة “سي إن بي سي” الأميركية، بالقول إن على الاتحاد الأوروبي “القيام بواجباته” وإصلاح سياسته الخاصة بشأن المساعدات الحكومية من أجل توجيه رسالة إلى الشركات مفادها أن “أوروبا وإسبانيا بالطبع هما مكانان جيدّان” للاستثمار.
ويأمل ماكرون في ضمّ، إلى حد ما، المستشار الألماني أولاف شولتس إلى صفّه. ويزور شولتس باريس، الأحد، للاحتفال بالذكرى الستين لـ”معاهدة الإليزيه” وللمشاركة في اجتماع حكومي فرنسي ألماني لمحاولة تسوية الخلافات بين أكبر قوتين أوروبيتين.
ويأتي توقيع المعاهدة الفرنسية الإسبانية بعد ثلاثة أشهر على استبدال مشروع “ميدكات”، الذي أُطلق عام 2003 لربط شبكتَي الغاز الفرنسية والإسبانية عبر جبال بيرينيه، بمشروع “H2Med” (هيدروجين المتوسط) الذي اتفقت عليه فرنسا وإسبانيا والبرتغال.
واختيرت برشلونة كمدينة مضيفة لقمة ماكرون-سانشيز للتشديد على أهمية هذا المشروع الاستراتيجي ولكن أيضا لإظهار أن الوضع قد هدأ في كاتالونيا التي كانت مسرحا لمحاولة انفصال في العام 2017.
لكن تظاهر آلاف الانفصاليين الكاتالونيين، صباح الخميس قرب مكان انعقاد القمة، احتجاجًا على عقدها، هاتفين “لا فرنسا لا إسبانيا”.
وتعتزم مدريد التشديد خلال القمة على أهمية التحرك سريعا لإعادة فتح ثمانية معابر حدودية لا تزال مغلقة باسم محاربة السلطات الفرنسية للإرهاب والهجرة غير الشرعية.