قال الخبير الاقتصادي والوزير السابق، عبد السلام الصديقي، أن بعد إصدار المندوبية السامية للتخطيط الميزانية الاستشرافية لسنة 2024، يتولى الوزير المنتدب المكلف بالميزانية المثول أمام لجنتي المالية بالبرلمان لبسط الإطار الاقتصادي الذي يتم فيه إعداد مشروع قانون المالية للسنة المقبلة. موضحا أن من هذين الحدثين اللذين يفصل بينهما أيام قليلة، “نخلص إلى النتيجة التالية: إن الحالة الماكرو اقتصادية لبلادنا كما يظهر من المؤشرات الرئيسية ليست بالسواد الذي نعتقده”.
وأضاف الصديقي، من خلال مقال تحليلي توصل موقع “إحاطة.ما” بنسخ منه، “ومع ذلك، يظل هذا التعافي هشًا في سياق يتسم بالعديد من أوجه اللايقين والمخاطر، مثل: تفاقم الاضطرابات في القطاع المالي، وزيادة تكلفة القروض بعد اعتماد سياسات نقدية مقيدة، وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وتواصل التضخم بمعدلات عالية نسبيًا، واستمرار الحرب في أوكرانيا…”.
وزاد الوزير السابق: “إن الاقتصاد المغربي ليس بمنأى عن هذه الاضطرابات. ويتحمل العديد من العواقب، لا سيما فيما يتعلق بانكماش الطلب الخارجي، والذي ينضاف للمعيقات الداخلية مثل الظروف المناخية غير المواتية، والطلب الداخلي البطيء، وانعدام الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين، خصوصا الأسر المتذمرة من هذه الوضعية.
وفي ظل هذه الاكراهات، ينبغي قراءة المعطيات التي تقدمها المندوبية السامية للتخطيط ووزارة المالية”.
وتابع الصديقي: “وهكذا من المتوقع أن يسجل الاقتصاد المغربي معدل متواضع نسبيًا يبلغ 3.4٪، ويرجع ذلك أساسًا إلى أنشطة القطاع الأول (الفلاحة) والثالث (السياحة). وتواجه الأنشطة الصناعية، باستثناء السيارات، وبدرجة أقل الصناعات الغذائية، صعوبات تعزى أساسا إلى تباطؤ الطلب الخارجي الموجه إلى المغرب واستمرار الضغوط التضخمية التي تزيد من تكاليف الإنتاج وتحد من القدرة الشرائية للمستهلكين”.
وواصل الخبير الاقتصادي: “علاوة على ذلك، على الرغم من تراجع التضخم، إلا أنه لا يزال عند مستويات مرتفعة نسبيًا، خاصة بالنسبة للمنتجات الغذائية الأساسية. نتوقع في الواقع، أن تنتهي السنة بمعدل تضخم يبلغ 5.6٪، أي أقل بنقطة واحدة من توقعات بنك المغرب التي أعلن عنها في 30 يونيو الماضي”.
وفيما يتعلق بالتجارة الخارجية، أضاف الصديقي: “نسجل زيادة طفيفة في العجز التجاري (2 مليار درهم) على الرغم من التحسن الضئيل في معدل تغطية الواردات بالصادرات، حيث ارتفع من 60.9٪ سنة 2022 إلى 61.3٪ سنة 2023. ومع ذلك، فإن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج وعائدات السفر، والتي بلغت مستويات قياسية، تساهم معًا في تغطية 73.6٪ من العجز التجاري. ونتيجة لذلك، سينحصر عجز الحساب الجاري عند 2.5٪، ويسجل انخفاضا بنقطة واحدة مقارنة بسنة 2022”.
وأكد الصديقي، أن المندوبية السامية للتخطيط، تتوقع عجزًا أقل بكثير في نهاية سنة 2023: “يجب ألا يتجاوز 0.8 ٪. من ناحية أخرى، تقلصت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنحو 12٪ مقابل زيادة كبيرة في الاستثمارات المغربية بالخارج”.
وتابع الوزير السابق: “بشكل عام، تغطي احتياطيات البلاد من العملة الصعبة ما يقارب 6 أشهر من الواردات. ويعزز ذلك الأداء الجيد لعملتنا الوطنية مقارنة بالعملات الأجنبية المرجعية. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال قضية المديونية مصدر قلق. إذ سترتفع نسبة الدين الخارجي للخزينة إلى 18.6٪ من الناتج الداخلي الإجمالي في سنة 2023 بدلاً من 15.9٪ بين سنتي 2019 و 2022. وبالتالي، سيبلغ إجمالي دين الخزينة ما يقارب 72٪ من الناتج الداخلي الإجمالي محققا زيادة طفيفة مقارنة بسنة 2022 (71.6٪ من الناتج الداخلي الإجمالي)”.
في عذا الإطار، شدد الصديقي بالقول: “ومع ذلك، سينخفض وزن دين الخزينة المحلي من 54.3٪ إلى 53.4٪ من الناتج الداخلي الإجمالي في سنة 2023. وبالنظر إلى وزن الدين الخارجي المضمون، والذي من المفترض أن يصل إلى 13.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ستسجل نسبة الدين العام الإجمالي انخفاضا إلى 85.8٪ من الناتج الداخلي الإجمالي مقابل 86.1٪ من الناتج الداخلي الإجمالي في سنة 2022”.
من ناحية أخرى، قال الصديقي، أن تنفيذ قانون المالية في نهاية يونيو 2023، يظهر بوادر إيجابية مقارنة بالفترة نفسها من السنة السابقة. من حيث الإيرادات الضريبية، باستثناء ضريبة القيمة المضافة على الواردات، بحيث كان أداء المكونات الأخرى جيدًا، حتى لو كانت الأرقام تحتمل قراءة أخرى.
وفيما يتعلق بإنجاز النفقات، أفاد الصديقي، أن الأمور سارت بشكل طبيعي “لأن معدل إنجاز النفقات الجارية يزيد قليلاً عن 50٪. ومن الأمور المشجعة أن عجز الحساب الجاري إيجابي إلى حد كبير. أما عجز الميزانية فمن المنتظر أن يصل إلى 4.5٪ وهو تحسن طفيف مقارنة بسنة 2022”.
وأضاف: “بشكل عام، الحكومة راضية عن هذه النتائج، وتعتبرها مبشرة بمستقبل جيد. ورئيس الحكومة لم يترك الفرصة تمر، دون أن يؤكد للمواطنين في إحدى خرجاته، أنهم سيتمكنوا في غضون بضعة أشهر أو بضع سنوات من جني ثمار الإجراءات الحكومية”.
وتابع: “في الوقت الحالي، يجب على المواطنين، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى الفئات الشعبية والمتوسطة، أن يتعايشوا مع مصاعبهم اليومية. لأن المؤشرات الاجتماعية لا تعرف نفس الدينامية التي تحققها نظيرتها الاقتصادية. علاوة على ذلك، من غير المنتظر توقع حدوث تغيير كبير وملموس في هذا الاتجاه في غياب تحول حقيقي للسياسات العمومية وطالما يتم تهميش تحليل الجوانب الاجتماعية”.
وأردف الصديقي: “من المسلم به أن التوازنات الماكرو اقتصادية مهمة، لكن يجب ألا تتحقق على حساب التوازنات الاجتماعية التي تشكل معيارًا لقياس مستوى معيشة السكان”.
واسترسل: “ومن المسلم به أيضا أنه يجب القيام بكل شيء لتشجيع الاستثمار والمقاولات، ولن يرى أحد خطأ في ذلك، ولكن يجب علينا كذلك قياس الأثر الاجتماعي لهذه الاستثمارات وتأثيرها على السكان من حيث خلق فرص عمل لائقة، والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، والاقصاء الاجتماعي وتقوية الشعور بالانتماء للوطن”.
وتابع: “من الواضح أنه فيما يتعلق بكل هذه القضايا، لا نفتقد فقط لأي تقدم كبير، ولكن الوضع يتدهور. فقط الانتصارات الرياضية التي تحققت خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي نفتخر بها، كانت قادرة على خلق موجة من الحماس وأيضا تخفيف القليل من آلام وأحزان أولئك الذين لا يكسبون قوت يومهم”.
وخلص الوزير السابق: “في نهاية المطاف، يجب إعداد قانون المالية، مثل أي إجراء من إجراءات السياسات العمومية، من خلال وضع الإشكالية بكل تعقيداتها على الطاولة عبر إثارة السؤال الاقتصادي والمسألة الاجتماعية والبيئية في نفس الوقت. أما الاهتمام بالإطار الماكرو اقتصادي فقط فهو يندرج ضمن رؤية نيوليبرالية عقيمة اقتصاديًا وخطيرة اجتماعيًا”.