يتواصل الجدل داخل أوساط قطاع توزيع لمحروقات بالمغرب، الذي انطلق في الأيام الأخيرة، جراء توزيع الوقود في عين المكان من طرف شركات، تقدم خدمات في إطار التعامل التجاري شركة – شركة، وهو الجدل الذي يصر أرباب وتجار ومسيري محطات الوقود إلى خوضه، لتمويه الرأي العام الوطني حول واقع حال هذا القطاع، الذي أرهق جيوب المواطنين، جراء غلاء سعر الوقود ما ينعكس سلبا على قوتهم اليومي، نتيجة تأثير غلاء الوقود على أسعار الانتاج وكذا نقل البضائع، وبالتالي غلائها.
وأمام ما وصفه مصدر بـ”جشع” بعض أرباب وتجار ومسيري محطات الوقود بالمغرب ومحاولة التستر على الأرباح الخيالية التي يجنونها على حساب جيوب المواطنين، ولتمويه الرأي العام عن هذا الواقع المر أو المشكل الحقيقي، يقود بعضهم حملة ضد شركات قانونية يسند لها توزيع المحروقات، من خلال فتح حسابات لها لدى الشركات الأم، المغربية والدولية، المخول لها قانونا توزيع المحروقات بالمغرب، والعمل نقل الوقود إلى شركات ومقاولات.
وأوضح المصدر أن اللوبيات المتحكمة في القطاع، والمستفيدة من تحرير القطاع في عهد رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بن كيران، دون تقييد هذا التحرير بشروط، على الأقل الحد الأدنى والأقصى لسعر هذه المادة الحيوية، هي التي تقود حملة التمويه هذن، بدل الخوض في الإشكال الحقيقي، ألا وهو انتقال هامش الربح بشكل صاروخي، بعد التحرير منذ سنة 2015، فمن 380 درهم للطن بالنسبة للشركات الأم، كما كان محددا من طرف شركة الوزارة الوصية على القطاع، انتقل إلى أضعاف الاضعاف، وصلت إلى 2000 أو 3000 درهم للطن الواحد، فيما ارتفعت أرباح المحطات من 250 درهم، التي تحددها الوزارة الوصية على القطاع، حينها، قبل أن يحرر بنكيران سوق المحروقات، إلى 1000 درهم، بل قد تصل الأرباح، حسب المصدر إلى 1500 درهم للطن الواحد، ما يوضح بجلاء حجم الأرباح التي يجنيها أرباب وتجار ومسيري محطات البنزين على حساب القوت اليومي للمغاربة، ويبين أيضا، الفارق بين الأرباح في 2015، وما بعد التحرير.
وأشار المصدر إلى أن هذا اللوبي لم يقتصر على هامش الربح الشاسع الذي يجنيه، منذ تحرير القطاع، بل يحاول، اليوم، وفي خرق للقانون، السيطرة على توزيع المحروقات على المقاولات والشركات في عين المكان، بدل استقبال الزبائن ومدهم بالوقود في المحطات، كما ينص القانون المنظم للقطاع.
ويأتي ذلك، حسب المصدر ذاته، من خلال الترويج لإشاعات أن الشركات، التي فتحت محفظة أو حساب لدى الشركات الأم، والتي خول لها توزيع المحروقات، في إطار تعامل تجاري شركة مع شركة، ونقل الوقود من الشركة الأم إلى مقرات الشركات والمقاولات، وبشكل آمن ومطابق للمواصفات القانونية، وهي الشركات والمقاولات التي لا يمكن لها التنقل إلى محطات البنزين لاقتناء هذه المادة، مثل شركات البناء، وشركات الاتصالات (مواقع اللاقط في السهول والهضاب والجبال)، ومصانع الزليج، والحمامات، والفنادق، والمخابز وغيرها، أو تلك التي تتوفر على حظيرة مهمة من الناقلات (حافلات وشاحنات وسيارات) مثل مستودعات حافلات النقل الحضري أو شركات النقل الكبرى التي تتوفر على عدد كبير من الحافلات أو الشاحنات والجماعات الترابية وشركات النظافة.
وفي الوقت الذي تشن فيه لوبيات المحطات حملة ضد هذه الشركات، تؤكد المصادر أن بعض المحطات، وبشكل لا قانوني تحول جزءا كبيرا من حصتها من الوقود، في ظل غياب خزاناتها كافية لاستيعاب كم كبير من المحروقات، وبشكل مباشر، أي بنقله إلى مقرات المقاولات والشركات، إلى عملاء تجاريين في إطار شركة – شركة، في تناقض مع القانون المنظم الذي يفرض عليها بيع المحروقات بالمحطات لا خارجها، بل هناك من ينقلها في القارورات والبراميل ما يهدد السلامة أو ببيع “البونات” مباشرة.
كما أن أرباب محطات الوقود، يضيف المصدر، في الوقت الذي يسارعون فيه إلى رفع السعر قبل موعده، يتأخرون في تخفيضه حتى نهاية المخزون أو حتى يعود السعر إلى الارتفاع من جديد، وأحيانا يعمدون إلى ادعاء نفاذ المنتوج حين يكون منحنى الأسعار تصاعدي في تحايل، من أجل الاحتكار، وانتظار ارتفاع السعر مجددا، ما جنوا معه أرباحا طائلة على حساب جيوب المواطن، إذ بدل الغوص في نقاش، من المفروض أن يكون مع الشركات الأم، كان حريا بهم التفكير فيما آل إليه وضع المواطن، وأن يساهموا بشكل أو آخر في إطار التضامن الاجتماعي والمقاولة المواطنة في احترام على الأقل سعر المحروقات، حين الارتفاع والانخفاض، دون تلاعب أو تلكأ.
وهذا ما تؤكده الوقائع، حسب المصدر، إذ أن سعر المحروقات، منذ تحرير القطاع بالمغرب وهو في ارتفاع مستمر رغم انخفاضه في الأسواق الدولية، ولم نرى أثرا للتنافسية، ما أثر على القدرة الشرائية للمواطن، لما للمحروقات من تأثير على جميع المنتوجات الفلاحية والصناعية وكذا الخدمات.
وأوضح أن الشركات التي تسهر على نقل المحروقات إلى مقرات الشركات، في إطار آمن، تساهم بما يناهز 20 إلى 30 في المائة من نسبة المبيعات، حسب مصادر مطلعة.
وقال المصدر ذاته إن النقاش الذي يسود أوساط قطاع توزيع الوقود بالمغرب، في الأيام الأخيرة، والذي يقوده أرباب وتجار ومسيري محطات الوقود حول شركات قانونية يسند لها توزيع المحروقات، ينبغي أن يطرح الإشكالات الحقيقية للقطاع، والتي وقف عليها مجلس المنافسة، وأصدر بلاغا في الموضوع، في نونبر 2023، حيث أشار إلى أن الشركات الـ9 التي تعمل في الأسواق الوطنية للتموين والتخزين وتوزيع البنزين والكازوال والجمعية المهنية الممثلة لهذه الشركات، ستؤدي مبلغ 1.840 مليار درهم كتسوية تصالحية بالنسبة لجميع الشركات ومنظمتها المهنية، التي سبق أن وجه إليها المجلس مؤاخذات تتعلق بممارسات منافية للمنافسة خلال شهر غشت الماضي.
وأفاد المجلس، في البيان ذاته، بأن الشركات وافقت على أداء هذا المبلغ وأكدت “التزامها بمجموعة من التعهدات بخصوص تصرفاتها قصد تحسين السير التنافسي لسوق المحروقات مستقبلا، والوقاية من مخاطر المساس بالمنافسة لصالح المستهلك”.
وأكد المجلس أن التعهدات المتخذة في إطار المسطرة التصالحية تكتسي “طابعا إلزاميا، وستسهر مصالح المجلس على تتبع تنفيذها”، مبرزا أنها تهم وضع “برنامج للمطابقة مع قانون المنافسة، يجسد التزام هذه الشركات المعبر عنه على أعلى مستوى للمسؤولية داخلها باحترام قواعد المنافسة”.
وسيتضمن هذا البرنامج، بالخصوص، “وضع خرائطية المخاطر التنافسية داخل هذه الشركات وأنظمة إنذار داخلية فعالة، علاوة على تعيين مسؤول داخلي من لدن مسيري المقاولة يتولى وضع برنامج المطابقة وتتبعه”، حسب المصدر ذاته.
ومن أجل تمكين المجلس من ضمان تتبع السير التنافسي للأسواق المعنية، خاصة فيما يهم العلاقة الترابطية بين أسعار بيع الغازوال والبنزين للعموم والأسعار الدولية لهذه المنتجات المكررة، شدد المجلس على أن التعهدات تنص على “إعداد وإرسال وضعية مفصلة، تتيح تتبع نشاط التموين وتخزين وتوزيع الغازوال والبنزين من قبل كل شركة على حدة”.
وأشار البيان إلى أنه سيتم رفع تقارير إلى مجلس المنافسة لمدة “ثلاث سنوات، من أجل إمداده دوريا كل ثلاثة أشهر بالمعلومات المتعلقة بالخصوص بالمشتريات والمبيعات الشهرية للمحطات المنجزة من قبل كل شركة على حدة ومستويات مخزونها من الغازوال والبنزين”، كما تتعهد الشركات المعنية بـ”تغيير أسعارها كلما اقتضت الحاجة ذلك، وفقا لتطور العرض والطلب في السوق، وحسب دورة التموين وإكراهات التخزين والسياسة التجارية الخاصة بكل شركة”.