وصف مصدر مطلع هامش ربح بعض الشركات البترولية وأرباب ومسيري محطات البنزين بالمغرب بـ”الخيالي” وأنهم يجنون الملايين، وأن الأمر يتطلب مراقبة صارمة من وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، المشرفة على القطاع، وكذا مجلس المنافسة.
وكشف المصدر أن غياب المراقبة يشجع بعض أرباب ومسيري محطات البنزين على ممارسات تساهم بشكل كبير في توسيع هامش الربح، بطرق عدة، ولم يستبعد المصدر أن يكون من بين تلك الخروقات إنشاء بعض هؤلاء لخزانات للمحروقات، عبر إضافة صهاريج تحت أرضية، غير تلك المرخصة، ما يشجع على ترويج الكازوال المهرب أو اقتناء محروقات من شركات منافسة للشركة الأم، التي رخصت للمحطة، وتحمل علامتها التجارية، وبطرق ملتوية واحتيالية.
وفي هذا الصدد، تساءل المصدر عن سبب ارتفاع القيمة السوقية لبعض محطات المحروقات التي توجد في مناطق نائية، والتي يتجاوز رقم معاملاتها واقع الحال بملايين الدراهم، دون حسيب ولارقيب، ولم يستبعد المصدر أن يكون هناك تحايل في الحصول على المحروقات وبالأطنان وإعادة ترويجها خارج المحطة، ودون حتى أن يصل هذا المنتوج إلى خزاناتها، وذلك عبر إعادة بيع إدن التسلم وغالبا نقدا ضد القانون من أجل التهرب الضريبي.
وللحد من هذه الظاهرة، دعا المصدر الجهات الوصية، والدرك الملكي بتشديد المراقبة على شاحنات نقل المحروقات والتأكد من جهة التسلم والاستلام.
كما لم يفت المصدر إثارة الانتباه إلى مسألة اعتبرها في غاية الخطورة، في ظل غياب المراقبة المستمرة للجهات الوصية على القطاع للخزانات التي قد تتغرض للتلف والصدأ، ما يهدد السلامة وكذا يؤدي إلى إتلاف وعطل في محركات سيارات وشاحنات وناقلات الزبائن.
وفي ظل غياب المراقبة والمواكبة، أيضا، لم يستبعد المصدر أن يؤدي ذلك إلى خلل في عدادات المحطات، المفروض مراجعتها وتعديلها دوريا، وفق ما ينص عليه القانون، من طرف الجهة الوصية، وبمحضر قانوني، وهو ما قد يساهم بشكل كبير في اتساع حجم الأرباح على حساب الزبائن، وهو الأمر الذي قلما ينتبه إليه الزبون.
وفي الوقت الذي من الفروض أن تخوض فيه نقابة أرباب ومسيري محطات البنزين معركة ضد الاختلالات التي يشهدها القطاع، شرعت في تحويل الأنظار إلى شركات بيع المحروقات، إلى المقاولات والشركات، عبر نقلها مباشرة، بدل المرور عبر محطات الوقود.، حيث، تواصل الجدل داخل أوساط قطاع توزيع لمحروقات بالمغرب، الذي انطلق في الأيام الأخيرة، جراء توزيع الوقود في عين المكان من طرف شركات، تقدم خدمات في إطار التعامل شركة مع شركة، وهو الجدل الذي يصر أرباب وتجار ومسيري محطات الوقود إلى خوضه، لتمويه الرأي العام الوطني حول واقع حال هذا القطاع، الذي أرهق جيوب المواطنين، جراء غلاء سعر الوقود ما ينعكس على قوتهم اليومي، لتأثير ذلك على أسعار نقل البضائع وبالتالي غلائها.
وأمام جشع بعض أرباب وتجار ومسيري محطات الوقود بالمغرب ومحاولة التستر على الأرباح الخيالية التي يجنونها على حساب جيوب المواطنين، ولتمويه الرأي العام عن هذا الواقع، يقود بعضهم حملة ضد شركات قانونية يسند لها توزيع المحروقات، وفتحت حسابات لها لدى الشركات الأم، المغربية والدولية، المخول لها قانونا توزيع المحروقات بالمغرب.
إن اللوبيات المتحكمة في القطاع، والمستفيدة من تحرير القطاع في عهد رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بن كيران، دون تقييده بشروط، على الأقل الحد الأدنى والأقصى لسعر هذه المادة الحيوية، حيث انتقل هامش الربح بعد التحرير سنة 2015، من 380 درهم للطن بالنسبة للشركات الأم، كما كان محددا من طرف شركة الوزارة الوصية، إلى أضعاف الاضعاف وصلت إلى 2000 وأحيانا إلى 3000 درهم هذا المبلغ، فيما ارتفعت أرباح المحطات من 250 درهم التي تحددها لاسمير حينها، قبل أن يحرر بنكيران سوق المحروقات، إلى 1000 درهم وقد تصل الأربح إلى 1500 درهم للطن الواحد، ما يوضح بجلاء حجم الأرباح التي يجنيها أرباب وتجار ومسيري محطات البنزين على حساب القوت اليومي للمغاربة.
ولم يقتصر هذا اللوبي على هامش الربح الشاسع الذي يجنيه، منذ تحرير القطاع، بل يحاول اليوم، وفي خرق للقانون، السيطرة على توزيع المحروقات على الشركات في عين المكان، بدل استقبال الزبائن ومدهم بالوقود في المحطات، كما ينص القانون المنظم للقطاع.
ويأتي ذلك من خلال الترويج لإشاعات أن الشركات، التي فتحت محفظة لدى الشركات الأم والتي خول لها توزيع المحروقات، في إطار تعامل تجاري شركة مع شركة، ونقل الوقود من الشركة الأم إلى مقرات الشركات والمقاولات، وبشكل آمن ومطابق للمواصفات القانونية، وهي الشركات والمقاولات التي لا يمكن لها التنقل إلى محطات النزين لاقتناء هذه المادة ، مثل شركات البناء، وشركات الاتصالات (مواقع اللاقط في السهول والهضاب والجبال)، ومصانع الزليج، والحمامات، والفنادق، والمخابز وغيرها، أو تلك التي تتوفر على حظيرة مهمة من الناقلات (حافلات وشاحنات وسيارات) مثل مستودعات حافلات النقل الحضري أو شركات النقل الكبرى التي تتوفر على عدد كبير من الحافلات أو الشاحنات والجماعات الترابية وشركات النظافة.
وفي الوقت الذي تشن فيه لوبيات المحطات حملة ضد هذه الشركات، تؤكد مصادر أن بعض أرباب المحطات، وبشكل لا قانوني يحولون جزءا كبيرا من حصتها من الوقود، في ظل غياب خزاناتها كافية لاستيعاب كم كبير من المحروقات، وبشكل مباشر، أي بنقله إلى مقرات المقاولات والشركات، إلى عملاء تجاريين في إطار شركة – شركة، في تناقض مع القانون المنظم الذي يفرض عليها بيع المحروقات بالمحطات لا خارجها، بل هناك من ينقلها في القارورات والبراميل ما يهدد السلامة أو ببيع “البونات” مباشرة.
إن أرباب محطات الوقود من المحطات الذين يسارعون إلى رفع السعر قبل موعده، ويتأخرون في تخفيضه حتى نهاية المخزون، حتى يعود السعر إلى الارتفاع من جديد، وأحيانا يعمدون إلى ادعاء نفاذ المنتوج حين يكون منحنى الأسعار تصاعدي ما جنوا معه أرباحا طائلة على حساب جيوب المواطن كان حريا بهم التفكير فيما آل إليه وضع المواطن، وأن يساهموا بشكل أو آخر في إطار التضامن الاجتماعي والمقاولة المواطنة في احترام على الأقل سعر المحروقات، حين الارتفاع والانخفاض، دون تلاعب أو تلكأ.
وهذا ما تؤكده الوقائع، إذ أن سعر المحروقات، منذ تحرير القطاع بالمغرب وهو في ارتفاع مستمر رغم انخفاضه في الأسواق الدولية، ولم نرى أثرا للتنافسية، ما أثر على القدرة الشرائية للمواطن، لما للمحروقات من تأثير على جميع المنتوجات الفلاحية والصناعية وكذا الخدمات.
إن الشركات التي تسهر على نقل المحروقات إلى مقرات الشركات، في إطار آمن، تساهم بما يناهز 20 إلى 30 في المائة من نسبة المبيعات، حسب مصادر مطلعة.
إن النقاش الذي يسود قطاع توزيع الوقود بالمغرب، في الأيام الأخيرة، والذي يقوده أرباب وتجار ومسيري محطات الوقود حول شركات قانونية يسند لها توزيع المحروقات، ينبغي أن يطرح الإشكالات الحقيقية للقطاع، والتي وقف عليها مجلس المنافسة، وأصدر بلاغا في الموضوع، في نونبر 2023، حيث أشار إلى أن الشركات الـ9 التي تعمل في الأسواق الوطنية للتموين والتخزين وتوزيع البنزين والكازوال والجمعية المهنية الممثلة لهذه الشركات، ستؤدي مبلغ 1.840 مليار درهم كتسوية تصالحية بالنسبة لجميع الشركات ومنظمتها المهنية، التي سبق أن وجه إليها المجلس مؤاخذات تتعلق بممارسات منافية للمنافسة خلال شهر غشت الماضي.
وأفاد المجلس، في البيان ذاته، بأن الشركات وافقت على أداء هذا المبلغ وأكدت “التزامها بمجموعة من التعهدات بخصوص تصرفاتها قصد تحسين السير التنافسي لسوق المحروقات مستقبلا والوقاية من مخاطر المساس بالمنافسة لصالح المستهلك”
وأكد المجلس أن التعهدات المتخذة في إطار المسطرة التصالحية تكتسي “طابعا إلزاميا، وستسهر مصالح المجلس على تتبع تنفيذها”، مبرزا أنها تهم وضع “برنامج للمطابقة مع قانون المنافسة، يجسد التزام هذه الشركات المعبر عنه على أعلى مستوى للمسؤولية داخلها باحترام قواعد المنافسة”.
وسيتضمن هذا البرنامج، بالخصوص، “وضع خرائطية المخاطر التنافسية داخل هذه الشركات وأنظمة إنذار داخلية فعالة، علاوة على تعيين مسؤول داخلي من لدن مسيري المقاولة يتولى وضع برنامج المطابقة وتتبعه”، حسب المصدر ذاته.
ومن أجل تمكين المجلس من ضمان تتبع السير التنافسي للأسواق المعنية، خاصة فيما يهم العلاقة الترابطية بين أسعار بيع الغازوال والبنزين للعموم والأسعار الدولية لهذه المنتجات المكررة، شدد المجلس على أن التعهدات تنص على “إعداد وإرسال وضعية مفصلة، تتيح تتبع نشاط التموين وتخزين وتوزيع الغازوال والبنزين من قبل كل شركة على حدة”.
وأشار البيان إلى أنه سيتم رفع تقارير إلى مجلس المنافسة لمدة “ثلاث سنوات، من أجل إمداده دوريا كل ثلاثة أشهر بالمعلومات المتعلقة بالخصوص بالمشتريات والمبيعات الشهرية للمحطات المنجزة من قبل كل شركة على حدة ومستويات مخزونها من الغازوال والبنزين”، كما تتعهد الشركات المعنية بـ”تغيير أسعارها كلما اقتضت الحاجة ذلك، وفقا لتطور العرض والطلب في السوق، وحسب دورة التموين وإكراهات التخزين والسياسة التجارية الخاصة بكل شركة”.