تعرض رواية “حراس ابن خلدون”*، آخر إصدارات محمد الهجابي، إلى فترة من تاريخ المغرب المعاصر من خلال تجربة فصيل من اليسار الجديد بالمغرب حمل اسم “حركة 23 مارس” إبان فترة العمل السري في سبعينات القرن الماضي، فاسم “منظمة العمل الديمقراطي الشعبي” إبان فترة العمل الشرعي القانوني في الثمانينيات والتسعينيات من القرن نفسه.
وتوسلت الرواية لعرض مراحل من تطور هذا الفصيل السياسي، بأفواج من المناضلين، تداولت السكن بدار بعينها بحي الأطلس بمدينة فاس، اصطلح على نعتها بـ”دار ابن خلدون”. إنها دار ليست، من حيث رمزيتها وذاكرتها التاريخية، كباقي الدور التي سكنها طلبة جامعة محمد بن عبد الله في مختلف الأحياء السكنية بفاس. قد نقول عنها إنها “دار استثنائية”.
وسعت الرواية إلى مواكبة مسارات هؤلاء المناضلين على امتداد عقدين من الزمن بنجاحاتها وإحباطاتها، وبعنف سياقاتها السياسية بخاصة وانفراجاتها أيضا سواء أثناء فترة الدراسة الجامعية أو بعدما مبارحة الجامعة إلى حياة مهنية وبناء أسرة والانتقال إلى مجالات لممارسة نضالية مغايرة.
وشكلت هذه “المسافة الزمنية الافتراضية”، مدار هذا العمل السردي التخييلي، لتناول مرحلة من الصراع بين الحكم والمعارضة الديمقراطية المغربية، من أجل إرساء أسس “الانتقال الديمقراطي” بالمغرب، أدلى فيها مناضلو هذا الفصيل بدلوهم فكرا وسياسة وتنظيما، إلى جانب باقي القوى التقدمية والوطنية والديمقراطية.
وبحسب تنبيه للمؤلف، فإن الرواية إياها لا تدعي التأريخ لفترة من فترات الواقع السياسي المغربي اتصف بما بات يسمى بمرحلة “سنوات الجمر والرصاص”، إذ هي مهمة موكولة لذوي الاختصاص من مؤرخين وباحثين، حتى وإن اشتغلت الرواية على الوثيقة المكتوبة بخاصة، بقدر ما يحاول هذا العمل السردي التخييلي المشاركة في ملء “فراغ” روائي في هذا المستوى بالذات على هدى عمل روائي سابق للكاتب حمل عنوان “بيضة العقر” (2015)، وفي ضوء اهتمام للكاتب بهذه المرحلة التاريخية من تجربة اليسار المغربي بعامة وتجربة “حركة 23 مارس” بخاصة.
جاء في تعليق للهلالي، أحد شخوص الرواية، ما يلي: «أيكون سكان هذه الدار ممن خلد المخلوفي أسماءهم بذكره الدار، قد خلدوها، هم بدورهم، بأثر الأطياف والأنفاس والأصوات التي تزاحمت بين حيطانها وبمضاجعها، فجبوا ما قبلها من معالم ومطارح، وصاروا لها، بالتالي، حراس مقام وأبدال مزار، وصارت لهم، من جانبها، حاضنة أسرار وكاتمة أخبار وموضع أختام؟ وهل دخلوها ولم يخرجوا منها حقا مثلما تشير إلى ذلك المعاجم المفسرة؟
أسوق هذه الشوارد دون أن أجزم بيقين. بل الرأي عندي، في تواضعه الجم، أن هذه الدار التي اصطفاها صديقي العزيز أحمد المخلوفي، دون سائر الدور التي عاقر، وخصّ بها هذا المتن، إنما فعل لكي يقول لنا إن الحيوات التي عمرت بهذه الدار، ضمن سياق سياسي وتاريخي معلوم، لا تمثل الدار بما هي دار، أي بما هي مكان فحسب، بقدر ما ومأت إلى حراك من البشر شملها لسنوات ومنحها سيرة سارت بها ألسنة الأقربين والأباعد. ومن هنا، ففرادة هذا المكان بالذات هي من الرأسمال الرمزي لذاكرته.»
* صدرت الرواية عن دار القلم بالرباط شهر فبراير 2024 في قطع متوسط وفي نحو 350 صفحة.
ومن بين إصدارات محمد الهجابي نذكر: • زمان كأهله (رواية)، 2004 • بوح القصبة (رواية)، 2004 • موت الفوات (رواية)، 2005 • كأنّما غفوت (قصص)، 2007 • إناث الدار (رواية)، 2011 • قليل أو كثير أو لا شيء (قصص)، 2013 • بيضة العقر (رواية)، 2015 • نُواس (قصص)، 2015 • زنبركات (قصائد نثرية)، 2016• لك ولهم (قصائد نثرية)، 2016• لغوٌ سائرٌ بيْننا (قصص)، 2021 • المالغيقراط (رواية)، 2023..