أ.ف.ب
افتتحت منظمة التجارة العالمية، الاثنين في أبو ظبي، مؤتمرها الوزاري الذي يستمر أربعة أيام، عازمة على التطلع إلى المستقبل ولكن بدون آفاق واضحة لتحقيق نتيجة في ظل نقاط توتر جيوسياسية وبلبلة في حركة نقل البضائع عبر العالم.
وأعلنت المديرة العامة للمنظمة النيجيرية، نغوزي أوكونجو-إيوالا، مخاطبة الأعضاء الـ164 خلال افتتاحها المؤتمر “يعود لكم الآن أن تتوصلوا إلى إجماع حول قرارات تهدف إلى بناء مستقبل أفضل للتجارة العالمية”.
من جهتها قالت رئيسة المجلس العام لمنظمة التجارة، أتاليا ليسيبا مولوكومي، “في ظل انعدام اليقين الاقتصادي والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة، علينا أن نسهر بصورة جماعية على أن تكون منظمة التجارة العالمية قادرة على الاضطلاع بتحديات اليوم”.
من جانبه، دعا وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية، ثاني الزيودي، مطلقا مراسم الافتتاح إلى أن يكون هذا المؤتمر انفتاحا على “مستقبل التجارة العالمية ولإصلاح منظمة التجارة”.
ومن المتوقع أن يشهد المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية مفاوضات صعبة، في ظل آلية تحتم اتخاذ القرارات بالإجماع.
وقال مارسيلو أولارياغا، الأستاذ في كلية الاقتصاد وإدارة الأعمال في جامعة جنيف، “لا أمل لديّ في أن يتم الإعلان عن أي اتفاق جوهري. التوقيت والإرادة والأجواء… انطباعي أن المفاوضين متمسكون بمواقف تكتيكية: كيف أنجح في جعل الآخر يبدو وكأنه هو الذي يعرقل المفاوضات”.
حتى المديرة العالمة للمنظمة النيجيرية، نغوزي أوكونجو-إيوالا، اعتبرت أنه سيكون من الصعب تحقيق نتائج بسبب “الرياح المعاكسة الاقتصادية والسياسية”، مثل الحرب في أوكرانيا وهجمات الحوثيين اليمنيين في البحر الأحمر والتضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية والصعوبات الاقتصادية في أوروبا والصين.
لكنها قالت للصحافيين، هذا الشهر، إن فريقها يعمل على مدار الساعة لوضع اتفاقيات تطرح خلال المحادثات، مشيرة إلى أن “المواقف التفاوضية لا تزال رغم ذلك على قدر من الصعوبة” ولا سيما بشأن الزراعة.
ودعا وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية، ثاني الزيودي، لدى إطلاقه مراسم الافتتاح إلى أن يكون هذا المؤتمر “منصة انطلاق إلى مستقبل التجارة العالمية ولإصلاح منظمة التجارة العالمية حتى تكون جاهزة للاضطلاع بالتحديات التجارية الراهنة والمستقبلية”.
وأضاف أن “البيئة التي نعيش فيها تتطور بسرعة وتتطلب طريقة تفكير جديدة. زيادة عدد أعضاء منظمة التجارة وتنوعها يقتضيان نهجا ديناميكيا من جانب منظمة التجارة”.
وقال مندوب مكلف المسائل التجارية إن منع المفاوضين من النوم هو في غالب الأحيان الوسيلة المجدية لحملهم على تقديم اقتراحات “واقعية”.
ومن المتوقع أن يستمر المؤتمر الذي يشارك فيه آلاف المندوبين حتى 29 فبراير، لكن المنظمة غالبا ما تمدد اجتماعاتها.
“معجزة” 2022
ورأى المفوض الأوروبي للتجارة، فالديس دومبروفسكيس، أن “تكرار النجاح، المعجزة” التي حصلت عام 2022 “سيكون تحديا حقيقيا” محذرا من أن “المفاوضات على النقاط الأهم، صيد السمك والزراعة وتعليق الرسوم الجمركية على التجارة الإلكترونية، ستكون صعبة حتى اللحظة الأخيرة”.
وتوصلت القمة الوزارية السابقة المنعقدة في مقر المنظمة في جنيف في يونيو 2022، إلى اتفاق تاريخي حظر المساعدات لصيد السمك المضر بالحياة البحرية فضلا عن اتفاق حول براءات اللقاحات المضادة لكوفيد.
وأضاف دومبروفسكيس “في ما يتعلق بإصلاح آلية تسوية الخلافات، تظهر المفاوضات في جنيف تقدما، لكنه من غير الواقعي أن يتم في المرحلة الراهنة التوصل إلى أرضية اتفاق” حول مسألة اصلاح محكمة الاستئناف.
غير أن الدول الأعضاء تأمل في أن يتمكن الاجتماع من إرساء قواعد لإصلاح المنظمة.
ويعتبر هذا المؤتمر الوزاري آخر فرصة لتحقيق تقدم في المفاوضات بهذا الصدد قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في نونبر والتي من المحتمل أن يفوز فيها دونالد ترامب.
وكان الرئيس الأميركي السابق أطلق في عهده حربا تجارية مع الصين، وشلّ قدرة المنظمة على البت في الخلافات التجارية وهدد بإخراج بلاده منها.
وقال مصدر دبلوماسي في جنيف “هذه الفرصة الأخيرة. تأجيل أي مسألة إلى ما بعد القمة الوزارية لن يكون إستراتيجية ناجحة”.
وأعربت مندوبة التجارة الأميركية كاثرين تاي مؤخرا “التزام الولايات المتحدة بإصلاح منظمة التجارة العالمية وإنشاء نظام تجاري متعدد الأطراف أكثر استدامة ويستفيد منه جميع الأعضاء”.
لكن أولارياغا حذر بأنه “لا يمكن توقع تنازلات هائلة من الولايات المتحدة في أي مسألة كانت في منظمة التجارة العالمية. إدارة (الرئيس جو) بايدن لا يمكنها تقديم تنازلات كبرى” خلال سنة انتخابية.
“مواصلة التقدم”
لكن المصدر أوضح لفرانس برس أن “المهم بالنسبة لنظام تعددي كهذا، هو مواصلة التقدم” معتبرا أنه “مع إدارة بايدن، لدينا على الأقل الانطباع بأنه في مقدورنا مواصلة ذلك”.
وإن كانت المفاوضات حول مواضيع رئيسية مثل الزراعة تبقى محتدمة، فمن المتوقع تحقيق اختراقات صغيرة في أبو ظبي، ولا سيما على صعيد المساعدة للدول الأكثر فقرا.
وستوقع دولتان جديدتان هما جزر القمر وتيمور الشرقية رسميا، الاثنين، وثيقة انضمامها إلى منظمة التجارة.
وأصدر أكثر من 120 دولة ومنطقة من بينها الصين والاتحاد الأوروبي إنما ليس الولايات المتحدة، إعلانا وزاريا، ليل الأحد الاثنين، أفادت فيها عن وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق يهدف إلى تيسير الاستثمارات الدولية في التنمية.
وهي تطالب الآن بإدراجه ضمن منظمة التجارة، لكن بعض الدبلوماسيين يخشون أن تعارض الهند التي ترفض من حيث المبدأ أي اتفاق لا يشمل جميع الأعضاء.
لكن إزاء صعوبة التوصل إلى إجماع كامل، يجري إبرام عدد متزايد من الاتفاقات المتعددة الأطراف تنطبق فقط على الدول المشاركة فيها، وهو ما باتت المنظمة نفسها تشجعه.
ويعقد المؤتمر اليوم في ظل خلافات دولية ومخاوف على الاقتصاد العالمي الذي يواجه بحسب صندوق النقد الدولي تهديدات جراء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة وهجمات الحوثيين قبالة سواحل اليمن.
وقال دبلوماسي أوروبي إن “الوضع الراهن الذي يتسم بتوترات جيوسياسية وتطلعات كبرى من الدول النامية جراء الأزمة المالية وأزمة كوفيد والتوترات الاقتصادية الناجمة عن التضخم… كل ذلك يتراكم ليطرح خطر تشظّي الاقتصاد العالمي”.
وهو ما تحذر منه أوكونجو-إيوالا منذ أشهر داعية الدول إلى الالتفاف حول منظمة التجارة العالمية والعمل على إصلاحها وفتحها على رهانات القرن الواحد والعشرين.