أ.ف.ب
قبل الغوص في الملف الشائك لإعادة الدفء الى العلاقات الدبلوماسية، تأمل باريس في تحريك المياه الراكدة للتجارة مع الرباط، الشريكة التي لا غنى في المغرب العربي، بعدما تأثرت الروابط بين الطرفين بسبب قضية الصحراء المغربية.
وأكد وزير التجارة الخارجية الفرنسي، فرانك ريستير، أن الوقت حان “لإنعاش العلاقة”، وذلك في زيارة الى المملكة، الخميس، بعد أسابيع من أخرى قام بها وزير الخارجية، ستيفان سيجورنيه.
كما يستعد المغرب لاستضافة وزيري الاقتصاد برونو لومير والزراعة مارك فينو قبل نهاية الشهر الحالي.
وأكد مصدر دبلوماسي أن الهدف الأساسي من زيارة ريستير كان “تجديد الحوار الاقتصادي” بعد أعوام من التجاذب على خلفية ملف الصحراء المغربية.
روابط اقتصادية قوية
ووصلت المبادلات بين باريس والرباط مستوى قياسيا في 2023 بلغ 14 مليار يورو. وفرنسا هي أكبر مستثمر أجنبي في المغرب حيث تتمثل غالبية الشركات المنضوية في سوق باريس للأسهم.
كما أن المغرب هو أكبر مستثمر إفريقي في فرنسا، مع محفظة استثمارية بلغت 1,8 مليار يورو في 2022، مقابل 372 مليون يورو فقط في 2015.
والمغرب هو أول المستفيدين من تمويلات الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، وفق الإدارة العامة للخزانة الفرنسية.
وأكد المصدر الدبلوماسي أن العلاقة بين البلدين “مكثّفة بشكل خاص”.
وقال مدير مرصد المغرب في مركز “إيريس”، إبراهيم أو منصور، لوكالة فرانس برس “نرى من الجانبين نوعا من البراغماتية لمحاولة إعادة الدفء الى العلاقات من خلال التعاون الاقتصادي”.
طاقة وطيران وصحة
وبعدما أبرزت الأزمات الدولية الأخيرة أهمية أن تكون سلاسل التوريد قريبة جغرافيا ومضمونة، اعتبر المصدر الدبلوماسي أن “المغرب هو شريك مثير للاهتمام لفرنسا” من هذه الزاوية، ويتيح لها القدرة على التمتع بقاعدة خلفية صلبة في بلاد ركّزت خلال الأعوام الماضية على تعزيز الانتاج الصناعي، خصوصا في مجال الطيران والسيارات.
وكانت كارول ديلغا، رئيسة منطقة أوسيتاني الفرنسية حيث المقر الرئيسي لشركة “إيرباص”، قالت في مقابلة نشرت العام 2023 بأن “خلق وظيفة في المغرب يؤدي الى خلق 1,5 وظيفة في أوسيتاني”، مشيرة الى أن ذلك “يتيح لنا أن نكون تنافسيين في مجال الطيران”.
كما تنظر فرنسا بإعجاب الى جهود المغرب في قطاعات الطاقة والمياه والسكك الحديد، إضافة إلى الصحة حيث أطلقت الرباط عملية إصلاح واسعة.
وأعرب ريستير خلال زيارته المغرب هذا الأسبوع عن استعداد بلاده للاستثمار إلى جانب الرباط في الصحراء المغربية.
وأشار الى أن شركة “بروباركو” التابعة للوكالة الفرنسية للتنمية والمعنية بالقطاع الخاص، يمكن أن تساهم في تمويل خط الجهد العالي بين مدينتي الداخلة والدار البيضاء.
سياق دبلوماسي معقّد
وكان وزير الخارجية سيجورنيه أكد في فبراير أنه “اختار” الرباط لزيارته الأولى إلى المغرب العربي، مؤكدا في حينه دعم باريس الواضح والمستمر” لمقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب لحل النزاع.
إلا أن الخبراء يرون أنه بالنسبة إلى الرباط، يبقى الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء المغربية مسألة محورية في أي مصالحة شاملة مع باريس.
وبينما أبدى المصدر الدبلوماسي أمله في أن تلاقي الرباط بـ”إيجابية” التركيز الفرنسي على الشق الاقتصادي، اعتبر أن ذلك “يساهم في حسن النية الفرنسي دون تغيير الموقف الفرنسي”.
وأتى إعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، هذا الشهر، أن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، سيجري زيارة دولة إلى فرنسا في الخريف، ليؤشر بوضوح إلى أن تحسين العلاقات مع الرباط لن يعني التخلي عن التقارب مع الجزائر، على رغم الخلاف العميق بين البلدين العربيين بشأن قضية الصحراء المغربية.
من جهته، شدد الباحث إبراهيم أومنصور على أن ملفات عدة غير الاقتصاد قد تساهم في تحسين العلاقات بين باريس والرباط، مثل الهجرة والأمن، خصوصا في وقت “تفقد فرنسا من نفوذها في إفريقيا” بعد سلسلة انقلابات عسكرية في دول منطقة الساحل.