أكد الدكتور مولاي سعيد عفيف على ضرورة تعبئة كل الجهود والإمكانيات وتوظيف كل القدرات المتوفرة من أجل مواجهة مرض سرطان عنق الرحم الذي يحتل المركز الثالث ضمن قائمة السرطانات الأكثر إصابة للنساء بعد سرطاني الثدي والغدة الدرقية.
وشدد رئيس جمعية “أنفوفاك المغرب” على أن هذا المرض الفتاك له كلفة جد ثقيلة صحيا واقتصاديا واجتماعيا، وهو ما يفرض تعزيز سبل الوقاية منه، مشيدا في هذا الإطار بإدراج اللقاح المضاد للمرض ضمن البرنامج الوطني للتلقيح.
وأوضح الدكتور عفيف، خلال كلمة له خلال ندوة افتراضية جرى تنظيمها مساء السبت 27 أبريل بمناسبة تخليد جمعية أنفوفاك لفعاليات الأسبوع العالمي للتلقيح، إلى جانب كل من الجمعية المغربية للعلوم الطبية والجمعية المغربية لطب الأطفال والجمعية المغربية للأمراض التعفنية لدى الأطفال والتطعيم والجمعية الملكية المغربية لطب النساء والتوليد والجمعية المغربية للأم والطفل بشراكة مع كل من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية والمرصد الوطني لحقوق الطفل والوكالة الوطنية للتأمين الصحي، أن اللقاح المتوفر اليوم مجانا والذي يتوفر على فعالية كبيرة ومأمونية أكدتها الدراسات العلمية هو موجه للطفلات اللواتي تبلغ أعمارهن 11 سنة، اللواتي تكفيهن جرعة واحدة للحصول على المناعة الضرورية.
وأبرز المتحدث أن عملية التلقيح قد تنطلق بأعداد معدودة، لكنها يمكن أن تتطور مع مرور الأيام بالتواصل الهادف والواضح، وباعتماد حملات تحسيس وتوعية، تجيب عن كل الأسئلة وتوضح كل غموض قد يتعلق باللقاح أو بالمرض نفسه، مشيرا إلى أن حملة التلقيح ضد سرطان عنق الرحم قد انطلقت في فرنسا نموذجا ببعض التباين، لكنها اليوم بلغت نسبة 70 في المائة من الأشخاص المعنيين بالتلقيح.
وفي مداخلة للدكتور محمد بنعزوز، أكد المسؤول عن البرنامج الوطني للتمنيع في وزارة الصحة والحماية الاجتماعية أن سرطان عنق الرحم يمثل نسبة 8.1 في المائة من مجموع السرطانات التي تصيب النساء، موضحا بأنه يتم تسجيل 9.2 حالة لكل 100 ألف نسمة، وبأن هذا المرض الذي يحدق بأكثر من 15 مليون مغربية اللواتي يبلغ سنهن 15 سنة فما فوق، يتسبب وبكل أسف في وفاة أكثر من ألفي مريضة كل سنة، وذلك بمعدل 50 في المائة من مجموع الإصابات المسجلة.
وأبرز المتحدث في العرض الذي قدّمه بأن اللجنة الوطنية التقنية والعلمية الاستشارية للتلقيح قد اعتمدت في اجتماعها في 12 أكتوبر 2023 إعطاء جرعة واحدة للطفلات الموجّه إليهن هذا اللقاح عوض جرعتين في المراكز الصحية الأولية، مشددا على أن هذا التلقيح يعتبر خطوة وقائية جد مهمة، مضيفا في نفس الوقت بأن الدراسات العلمية تشير إلى أنه يوفر الحماية والمناعة لمدة تتجاوز 15 سنة، وفقا للأبحاث التي تم القيام بها في هذا الصدد، وبأنه يجل مواصلة التحسيس مع كافة الشركاء والمتدخلين بأهمية الموضوع.
من جهته أكد الصحافي وحيد مبارك في مداخلة له حول دور الإعلام في التوعية الصحية، على أن الصحافيين المهنيين في وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، المرئية والمسموعة والمكتوبة، الورقية والرقمية، يقومون بدور أساسي ومحوري في إيصال المعلومة الواضحة والكاملة من مصدرها الرسمي والمختص في مجال من المجالات، المعززة بالأرقام والإحصائيات، المبددة لكل لبس وغموض، والتي تساهم في رفع الوعي بالموضوع المتناول، وتقدم الأجوبة عن الأسئلة المرتبطة به، وتسمح بمواجهة الإشاعات والأخبار الزائفة التي تتسبب في هدر الزمن وبذل الكثير من الجهد لرصد ونفيها، مستدلا في هذا الإطار بما تم تسجيله خلال جائحة كوفيد 19 بالأساس وفي محطات أخرى.
ودعا وحيد مبارك، وهو صحافي مختص في قضايا الصحة إلى ضرورة التنزيل السليم لمقتضيات القانون 31.13 بعيدا عن القيود البيروقراطية التي تؤدي إلى تعثر عملية التواصل وتفرمل عجلة التزويد بالمعلومات الضرورية التي من شأنها أن تساهم في تشكيل صورة واضحة بشأن قضية من القضايا المجتمعية التي تهم المعيش اليومي للمواطنين، صحيا واجتماعيا واقتصاديا وغيرها، مؤكدا على عامل السرعة في تناول الخبر الإعلامي الذي يعتبر إكراها كبيرا، الأمر الذي لا يتحقق في أغلب الحالات، لتبقى الجمعيات العالمة والأطباء والمختصين في المجال الصحي نموذجا، مصدرا أساسيا لتقديم المادة الخبرية وتحليلها.
وشدد وحيد على أن تطوير الصحافة المختصة في مجال الصحة يعتبر مسؤولية جماعية مشتركة، بين كل الفرقاء والمتدخلين في هذا القطاع، سواء تعلق الأمر بالفاعلين الرسميين كوزارة الصحة والحماية الاجتماعية أو باقي الشركاء في القطاعين العام والخاص، مؤكدا على أن السياقات الوبائية والمتغيرات التي يشهدها العالم على المستوى الصحي، تتطلب رفع الوعي بالسياسات الصحية على المستوى البنيوي والهيكلي، وبالبرامج الصحية المختلفة، وبتعزيز سبل الوقاية، من خلال التلقيح واتباع النمط الصحي الكفيل بالحدّ من تداعيات الأوبئة والأمراض المختلفة، سواء المعدية منها أو المزمنة، وهو ما يتطلب إشراكا واسعا وفعليا لنساء ورجال الإعلام في اللقاءات والندوات والملتقيات، الحكومية والمدنية، إلى جانب تنظيم دورات تكوينية مشتركة، وفتح المجال للتوصل بمقترحاتهم ومساهماتهم بخصوص النقاشات التي تعرفها المنظومة الصحية تشريعيا وتنظيميا.
وفي سياق ذي صلة، اعتبر البروفيسور الحسين الماعوني، رئيس الجمعية الملكية المغربية لطب النساء والتوليد أن سنة 2025 يجب أن تعرف انخراطا لكل المكونات الصحية من أجل أن تكون سنة لتلقيح الفتيات ضد فيروس الورم الحليمي البشري لحمايتهن من هذا المرض الخطير، مشددا على أهمية فتح قنوات التواصل مع الآباء والأمهات من طرف جميع الأطباء وفي مختلف التخصصات، سواء تعلق الأمر بأطباء الطب العام أو أطباء طب الأطفال أو المختصين في الأمراض التعفنية أو غيرهم، وليس فقط أطباء النساء والتوليد، وتعريفهم بالمرض وبخطورته وتبعاته الثقيلة وتقديم النصيحة لهم بتلقيح فتياتهم، خاصة بعد إدراج اللقاح المضاد للمرض ضمن قائمة لقاحات البرنامج الوطني للتلقيح بشكل مجاني.
من جهته، أوضح الدكتور حسن أفيلال، رئيس الجمعية المغربية لطب الأطفال، أن نشر ثقافة صحية يتطلب عملا قاعديا واسع المدى بشكل عقلاني وممنهج لتعزيز الوعي الصحي واكتساب مهارات التعامل مع الأمراض، على مستوى الوقاية والعلاج، مشددا على أن جهودا كثيرة بذلت لتسليط الضوء على سرطان عنق الرحم، ولتوفير اللقاح المضاد له وإدراجه ضمن البرنامج الوطني للتلقيح مجانا، مؤكدا على أن هذه الخطوة لن تكون ذات أهمية إذا لم يتم بلوغ الأهداف المسطرة التي تتمثل في تلقيح أكبر عدد من الفتيات اليوم لحمايتهن غدا من خطورة المرض وتبعاته.
يذكر على أن اللقاء عرف تقديم عروض ومداخلات لخبراء ومختصين في الصحة من فرنسا والمغرب، كما هو الحال بالنسبة للبروفيسور روبرت كوهن، والبروفيسور فرانسوا لوساج، والدكتور أحمد لحلو، إضافة إلى البروفيسور محمد بوسكراوي، عميد كلية الطب والصيدلة ورئيس الجمعية المغربية للأمراض التعفنية لدى الأطفال والتطعيم، الذي ساهم بدوره في الإحاطة بهذا الموضوع من مختلف زاوياه العلمية، مستعرضا عددا من الدراسات والإحصائيات المرتبطة بالمرض وبالتلقيح ضده، التي أجرتها الأوساط العلمية في عدد من الدول، بالشكل الذي يسهم في توفير صورة واضحة، خاصة بالنسبة لمهنيي الصحة، بشأن كيفية التعامل مع مختلف الحالات التي قد يتم الوقوف عليها، والإشكالات التي قد ترتبط بخطوة التلقيح، وكذا ما يتعلق بالسن والجنس، وبسبل الرفع من مستويات الوعي والتحسيس بهذا الموضوع.