أ.ف.ب
يتعرض قطاع غزة لضربات إسرائيلية مكثفة، الاثنين، فيما تستعد الدولة العبرية لإحياء الذكرى السادسة والسبعين لإقامتها، في سنة تطغى عليها حرب متواصلة مع حركة حماس، أحيت لدى العديد من الفلسطينيين ذكرى مرارة نكبة 1948.
وبعد منتصف ليل الأحد الاثنين، أفاد مراسلون لوكالة فرانس برس بوقوع غارات في مناطق مختلفة من القطاع حيث تؤكد الأمم المتحدة أنه لم يعد ثمة مكان “آمن” للسكان البالغ عددهم 2,4 مليون نسمة، والمهددين بالمجاعة بعد سبعة أشهر على حرب بلا هوادة، وتضييق إسرائيلي على إدخال المساعدات الإنسانية، وفق المنظمات الدولية.
واستهدفت الغارات الجوية خصوصا مدينة رفح (جنوب) في أقصى جنوب القطاع قرب الحدود مع مصر، والتي يصل عدد سكانها حاليا الى 1,4 مليون شخص، بحسب الأمم المتحدة، معظمهم نزحوا بسبب القصف والقتال في أنحاء أخرى من غزة.
ودعا الجيش الإسرائيلي، مطلع الأسبوع الماضي، سكان الأحياء الشرقية من رفح إلى مغادرتها بعد أسابيع من التهديد بشنّ عملية برية تؤكد الدولة العبرية أنها ضرورية للقضاء على “آخر معقل” لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
واقتحمت الدبابات الإسرائيلية بعض أنحاء المدينة وسيطرت على المعبر الحدودي مع مصر اعتبارا من الثلاثاء الماضي، متجاهلة التحذيرات الأميركية والأوروبية حيال مصير المدنيين.
وكررت واشنطن، الداعم الأبرز لإسرائيل، تحذيراتها بشأن هجوم رفح الأحد.
وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن عملية واسعة النطاق في هذه المدينة المكتظة ستتسبب بـ”فوضى” و”أضرار جسيمة” للسكان المدنيين “من دون أن تحل مشكلة حماس”.
وأضاف في مقابلة مع شبكة “إن بي سي”، “سيكون هناك دائما الآلاف من أعضاء حماس المسلحين”، حتى بعد عملية في رفح، مشيرا إلى أن الحركة الفلسطينية “عادت إلى المناطق التي حررتها إسرائيل في الشمال، حتى في خان يونس”، كبرى مدن جنوب القطاع التي شهدت عمليات عسكرية مكثّفة على مدى أشهر.
“جحيم”
في غضون ذلك، يواصل مئات الآلاف من الفلسطينيين الفرار من مناطق رفح بشتى الوسائل المتوافرة: سيراً أو بمركبات وعلى متن دراجات أو عربات تجرّها الدواب، في محاولة لإيجاد ملجأ في أماكن أخرى من القطاع الذي استحالت معظم مناطقه ركاماً جراء الحرب الأطول في تاريخ الصراع.
وقال محمد حمد (24 عاما) لوكالة فرانس برس “عشنا الجحيم خلال ثلاثة أيام وأسوأ الليالي منذ بداية الحرب”.
وحمد هو من بين 300 ألف فلسطيني تقول إسرائيل إنهم فروا من المناطق الشرقية في رفح التي استهدفها القصف بعد صدور أوامر الجيش بإخلائها.
في غضون ذلك، أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أنها استهدفت، الأحد، “جنود وآليات العدو” قرب معبر رفح.
وكتب المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني على منصة إكس “السلطات الإسرائيلية تواصل إصدار أوامر التهجير القسري (…) هذا يجبر سكان رفح على الفرار إلى أي مكان”، مضيفا “الحديث عن مناطق آمنة كاذب ومضلل. لا يوجد مكان آمن في غزة”.
“انقلاب” على المفاوضات
وتزامن تكثيف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة مع تعثر الجولة الأخيرة من المباحثات بوساطة واشنطن والدوحة والقاهرة، والهادفة إلى إرساء هدنة في القطاع تشمل إطلاق رهائن إسرائيليين لقاء الإفراج عن معتقلين فلسطينيين من سجون إسرائيل.
وكانت الحركة أعلنت أنها وافقت على مقترح من الوسطاء بشأن الهدنة، لكن إسرائيل رأت أنه “بعيد كل البعد عن مطالبها”.
واعتبرت حماس، الأحد، أن تصريحات الرئيس الأميركي، جو بايدن، التي رهن بها وقف إطلاق النار بإطلاق سراح الرهائن تشكّل “تراجعاً” عن نتائج الجولة الأخيرة من المفاوضات، متهّمة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بـ”الانقلاب” على مسار المباحثات.
وأكدت حماس أنها “أبدت في كل مراحل مباحثات وقف العدوان المرونة اللازمة للمضي باتجاه إنجاز اتفاق”.
وجدّد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، دعوته إلى وقف النار وإطلاق سراح الرهائن وذلك في مؤتمر في الكويت تعهد خلاله المانحون تقديم أكثر من ملياري دولار على مدى عامين لمساعدة القطاع المدمّر.
وقالت مصر التي حذّرت مراراً من الهجوم الإسرائيلي على رفح، إنها تعتزم الانضمام إلى جنوب إفريقيا في الدعوى أمام محكمة العدل الدولية للنظر في ارتكاب إسرائيل جرائم “إبادة” في قطاع غزة، وذلك “في ظل تفاقم حدة ونطاق الاعتداءات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين”.
واندلعت الحرب في السابع من أكتوبر مع شنّ حركة حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل أسفر عن مقتل 1170 شخصا غالبيتهم مدنيون وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى أرقام رسمية إسرائيلية.
وخطف خلال الهجوم أكثر من 250 شخصا ما زال 128 منهم محتجزين في غزة توفي 36 منهم، وفق مسؤولين إسرائيليين.
ردا على الهجوم، ينفذ الجيش الإسرائيلي حملة قصف مدمرة وعمليات برية في قطاع غزة تسببت بسقوط 35034 قتيلا غالبيتهم مدنيون وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.
وبحسب الجيش الإسرائيلي، قُتل 272 عسكريا في الحملة البرية على غزة منذ 27 أكتوبر.
مراسم
وبعد مرة أولى ليل الأحد، تطلق الصفارات في عموم إسرائيل عند الساعة 11:00 قبل ظهر الإثنين (80:00 ت.غ) ضمن إحياء ذكرى جنودها الذين سقطوا دفاعاً عن البلاد وضحايا الهجمات عشية ذكرى قيام الدولة العبرية. وتلي ذلك سلسلة مراسم في المقابر العسكرية.
وحضر الرئيس الاسرائيلي، اسحق هرتسوغ، ورئيس الأركان، الجنرال هرتسي هاليفي، المراسم التقليدية عند حائط المبكى (البراق)، أقدس موقع يسمح لليهود بالصلاة فيه، في البلدة القديمة في القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل في يونيو 1967 ثم ضمتها.
وقال هرتسوغ “الليلة ليس لدينا سلام ولا صمت” في قلوبنا.
وبعد إحياء ذكرى مَن قتلوا، ستشهد البلاد، ليل الاثنين الثلاثاء، احتفالات لمناسبة إعلان قيام دولة إسرائيل في 14 ماي 1948. وألغي جزء من الاحتفالات بسبب الحرب.
وسيكون ذلك عشية إحياء الفلسطينيين في 15 ماي، ذكرى نكبة 1948 والتهجير القسري الذي طال مئات الآلاف منهم عند إقامة إسرائيل. وأعادت الحرب الراهنة الى ذاكرة لاجئين فلسطينيين مسنّين تحدثت إليهم فرانس برس خلال الأشهر الماضية، مرارة العنف والتهجير الذي خبروه قبل سبعة عقود.
ورأى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أواخر أبريل أن أي تهجير جديد لسكان غزة الى “خارج فلسطين… يعني نكبة جديدة”، محذّرا من أن الهجوم على رفح سيكون “أكبر كارثة في تاريخ الشعب الفلسطيني”.