ما هي الإجراءات العملية التي اتخذتها حكومة عبد الإله بنكيران في مواجهة خطاب التكفير والتطرف والتحريض على الفتنة والكراهية، والذي ينتجه المدعو (الشيخ أبو النعيم) ضد القناة التلفزية الثانية (دوزيم)؟
إنه السؤال الأهم والوحيد الذي أحرج مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، وتجنب بشكل غير مفهوم الإجابة عليه خلال لقائه التواصلي مع الصحافة الوطنية والدولية، وقد طرحه زهير داودي الصحافي في (دوزيم) وعضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية.
الخلفي الذي كان يتحدث مساء أمس الأربعاء في مقر وزارته في الرباط، بمناسبة تقديم “التقرير السنوي حول جهود النهوض بحرية الصحافة برسم سنة 2015″، اكتفى بجملة يتيمة ومختصرة جدا، قائلا إن “الحكومة هي ضد كل خطاب يدعو للتحريض والكراهية”.
جواب قصير لم يقل شيئا ولم يشف غليل عشرات الصحافيين الحاضرين الذين تفاجؤوا برد الوزير الذي خاض في وقت سابق حرب (دفاتر تحملات القنوات العمومية) قبل أن يسحب منه الملف بفضل التحكيم الملكي، خصوصا وأن شريط الفيديو الذي بثه المتطرف المدعو أبو النعيم يوم فاتح يناير 2016 على موقع “يوتوب”، وصف القناة الثانية ب”الخبيثة” ونعتها بأنها “صهيونية بامتياز، وبرامجها ورجالاتها وعلاقتها خبائث في خبائث، وتأخذ أموال المسلمين بغير حق وتوفر لها الماسونية واللوبي الصهيوني المساعدة والرعاية لتعمل في بلد المسلمين ما تشاء دون خجل وحياء…”.
والسؤال الذي طرحه الصحافي والنقابي زهير داودي باسم المهنيين في القناة الثانية، تفرع إلى عدة نقاط جوهرية نلخص أبرزها في ما يلي:
ماهي التدابير التي اتخذتها الحكومة، ممثلة بوزارة الاتصال، بهدف التصدي القانوني الحازم لخطاب التطرف والتشدد الموقع من طرف أبي النعيم وذلك لحماية كل المهنيين والعاملين في القناة الثانية (أكثر من 700 شخص) سواء في المقر المركزي في الدار البيضاء أو في المكاتب الجهوية وعددها 11 مكتبا، من تداعيات هذا الخطاب التحريضي غير المسبوق في تاريخ الإعلام العمومي؟
لماذا لم نسمع ولم نشاهد ولم نقرأ لكم، كوزير وصي على القطاع، موقفا واضحا وصريحا من مضمون الشريط التكفيري للمدعو أبو النعيم الذي استهدف القناة الثانية وشهر بها كمؤسسة إعلامية وطنية وبالعاملين بها؟
– ثم لماذا لم تقم الحكومة، ممثلة بوزارة العدل والحريات، بالتحريك الأوتوماتيكي للمتابعة القضائية ضد المدعو أبو النعيم الذي يعد خطابه التكفيري والتحريضي ضد القناة دعوة صريحة للمس بالحق في الحياة؟
– كذلك، هل قامت وزارة الاتصال ببعث مراسلة رسمية للإدارة العامة للموقع المرئي العالمي “يوتوب” من أجل حذف فيديو المتطرف أبو النعيم من الموقع بشكل نهائي؟ وهو الفيديو الذي يضرب في الصميم مفهوم الإسلام الوسطي والمعتدل والمتسامح الذي يتبناه المغاربة منذ قرون في وقت يعيش فيه العالم العربي على إيقاع التفتيت الطائفي والتطرف المذهبي والإرهاب باسم الدين، هذا مع العلم أن أعلى سلطة في المملكة عملت بجهد متواصل على إرساء نموذج ديني مغربي متميز يقوم على المبادئ الإسلامية السمحة ومحاربة الإرهاب وفق مقاربة متعددة الأبعاد، وهو النموذج الذي أضحى محط تنويه وتقدير دوليين، ويتجسد ذلك من خلال الطلب المتزايد على تكوين الأئمة والمرشدين الدينيين للعديد من الدول العربية والإفريقية والأوروبية في بلادنا؟
كل هذه الأسئلة الدقيقة والمباشرة لم تحرك ساكنا في الوزير الخلفي الذي قال له الصحافي زهير داودي إن هذه الدعوات التكفيرية تتنافى تماما مع منطوق الدستور الذي وضع آليات ومؤسسات دستورية لحماية حقوق الإنسان من الانتهاكات أيا كان مصدرها، ومنها الحق في الحياة.
وكانت النقابة الوطنية للصحافة المغربية قد عبرت، في بلاغ أصدرته يوم 5 يناير الماضي، عن “استنكارها القوي وإدانتها الشديدة لما جاء في هذا الشريط التكفيري الذي يعتبر فعلا تحريضيا منافيا لمنطوق الوثيقة الدستورية وللقوانين ولمواثيق حقوق الإنسان، والتي ترفض وتمنع بشكل مطلق وصريح التحريض على الكراهية، وخطاب التشدد والتطرف الذي يعتبر تبريرا واضحا لارتكاب أعمال إجرامية و إرهابية”.
كما دعت النقابة “مختلف مكونات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والهيآت السياسية، للتصدي لمثل هذه الدعوات التكفيرية لحماية المجتمع المغربي من خطر التطرف والتشدد والإرهاب”.
وطالبت النقابة في البلاغ المذكور “الحكومة، ممثلة بوزارتي العدل والحريات والاتصال، باتخاذ التدابير اللازمة والعملية لوقف هذه الهجمات التكفيرية والتحريضية ضد العاملين في القناة التلفزية الثانية”.
وانطلاقا من كل ما سبق، نعتقد في موقع “إحاطة” أن أسلوب الصمت غير المبرر والسكوت المقصود الذي ينهجه حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، إزاء ما بات يعرف بقضية (تحريض أبو النعيم ضد القناة الثانية)، يطرح أكثر من علامات استفهام حول موقف عبد الإله بنكيران وإخوانه من الدعوات الخطيرة المحرضة على التشهير والعنف والتكفير والنيل من الحق في الحياة.
إن عدم إصدار حزب العدالة والتنمية لموقف واضح لا لبس فيه بخصوص هذه النازلة الخطيرة المحرضة على القتل والإرهاب، يدفعنا في “إحاطة” للقول إن إخوان بنكيران اختاروا الحياد الإيجابي في مواجهة قناة تلفزية يحلمون ليل نهار بالسيطرة على مفاتيح أبوابها والإطاحة بإدارتها التحريرية ممثلة بالإعلامية سميرة سيطايل.
أين اختفى كل من “الصقرين” أفتاتي وبوانو؟ لم نسمع لهما كلاما حول ما يدعو إليه المتطرف أبو النعيم.
نخشى، إذا سمح لهما بالخروج الإعلامي، أن يقولا عكس ما يؤمن به كل المغاربة من اعتدال وتسامح وانفتاح… ومن رفض مطلق للكراهية والتكفير والتشدد.
مجرد خشية لا أقل ولا أكثر.
انتهى الكلام كما يقول رئيس حكومتنا.