خلال زيارته الأولى لمخيمات تندوف والجزائر العاصمة، وأشهرا قليلة قبيل نهاية ولايته، آثر الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون إلا أن “يتألق” من خلال تصريحات انطوت على الكثير من الانزلاقات والتناقضات التي تبعث على الدهشة وتتسم بالغرابة، بل وجاءت معزولة عن الواقع.
تصريحات بان كي مون هذه تدفع المرء للتساؤل أن كيف يمكن لأمين عام للأمم المتحدة، وهو يشغل هذا المنصب الرفيع، بحشد من المستشارين المحيطين به، أن يزل على هذا النحو المريع، حيث أخلف الموعد مع زيارته الأولى للمنطقة وهو ينساق بشكل أعمى وراء دعاية النظام الجزائري.
إن أقل ما يمكن قوله في هذا الإطار هو أن الأمين العام للأمم المتحدة نجح في أن يدير ظهره لجميع الأصوات القلقة بشأن الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، بل ولجميع نشطاء حقوق الإنسان والمراقبين سواء في الجزائر أو في بلدان الجوار وعدد من العواصم الأوروبية.
كيف لا وقد جاءت تصريحاته بخصوص الصحراء المغربية متناقضة وغير متماسكة، وتمس بالأمن والاستقرار في منطقة الساحل.. وكيف لا وقد بدا مهادنا للمتاجرين في المساعدات الدولية ل(البوليساريو)، ولموجهيهم من العسكر بالجزائر، والذين كال لهم المديح بسبب “مصالحة وهمية” ليست في واقع الأمر سوى “تبييضا” لصفحة جنرالات هذا البلد.
صغيرا بدا بان كي مون أمام جلادي (البوليساريو) في وقت كانت عائلات الصحراويون من ضحايا القمع والانتهاكات في تندوف، على التراب الجزائري، تتطلع إلى أن تراه كبيرا وصريحا وحازما كما يليق بمنصبه.
وبالفعل، لقد فضل الأمين العام للأمم المتحدة أن يدع كل الانتهاكات التي ترتكبها ميليشيات (البوليساريو) تمر في صمت، متجاهلا تقارير العديد من المنظمات الدولية بخصوص الرعب والقمع الذي يتعرض له الصحراويين في تندوف، وهو سلوك لا يمكن إلا أن يثير حفيظة ضحايا التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان في غياهب معتقلات (البوليساريو)، لأنه يمنح ببساطة، وعلى نحو صارخ، صك براءة لجلادي طغمة انفصالية ليستمروا، كما يرغبون، في ممارساتهم اللاإنسانية والخطيرة في حق السكان المحاصرين والمحتجزين في قلب الصحراء بمخيمات تندوف.
الأدهى من ذلك هو أن الأمور قد اختلطت على بان كي مون، وهو يقدم تصريحات تفتقد لأي تماسك بخصوص الصحراء المغربية حتى إنه قد بلغ به نسج الخيال حد استخدام مصطلح “الاحتلال” ليصف استرجاع المغرب لوحدته الترابية.
وكانت حكومة المملكة المغربية عبرت عن “احتجاجها القوي” إزاء هذه الانزلاقات اللفظية، معتبرة أن تصريحات الأمين العام الأممي “غير ملائمة سياسيا، وغير مسبوقة في تاريخ أسلافه ومخالفة لقرارات مجلس الأمن، كما أنها “مسيئة وتمس بمشاعر الشعب المغربي قاطبة”.
الغريب أن بان كي مون لم ينبس ببنت شفة بخصوص جميع انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها انفصاليو (البوليساريو)، وكذا تحويل هؤلاء للمساعدات الإنسانية الموجهة لساكنة تندوف. كما تحاشى الإشارة إلى مصير النساء الصحراويات المحتجزات ضدا على إرادتهن بهذه المخيمات، في الوقت الذي أسعفته العبارة وهو يتغنى بوضعية حقوق الإنسان في الجزائر والمصالحة المزعومة في هذا البلد.
هذا التغني والإشادة لا يمكن إلا أن يكونا مؤلمين وغير محتملين بالنسبة لكل التواقين إلى السلم واحترام حقوق الإنسان لأنهما يتجاهلان جهود العديد من النشطاء الجزائريين الذين يبذلون ما في وسعهم من أجل تقديم المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في هذا البلد أمام العدالة.