أثارت قضية النفايات الإيطالية نقاشا واسعا في المغرب ذي طبيعة اجتماعية واقتصادية وبيئية.. غير أنه أثار أيضا نقاشا مهنيا تمحور بالخصوص حول تناول الصحافة الوطنية لهذا الموضوع الحساس الذي تتداخل وتتقاطع فيه مجموعة من المكونات.
وكال العديد من المسؤولين والسياسيين الاتهامات للصحافة، وتم اتهامها بالتجييش وعدم مراعاة الدقة والموضوعية في الموضوع، بينما رأى آخرون ان الصحافة الورقية والالكترونية في المغرب ساهمت في تأجيج بوليميك لتجعل منه “موضوعا” في غياب مواضيع أهم.
غير أن الخاسر الاكبر هو القارئ والمتتبع الذي وجد نفسه وسط سيل من المعلومات واللامعلومة في الآن ذاته، حيث تناسلت الأخبار والشائعات التي جعلت الموضوع أكثر ضبابية وتعقيدا.. فمن يتحمل المسؤولية إذن؟
مشكل تواصل
اعتبر الكثير من المهنيين أن المشكل الرئيسي في قضية أزبال ايطاليا تواصلي بالأساس، حيث فشلت الوزارة في التعامل مع القضية بالحزم والرصانة اللازمة.
وفي هذا السياق أكد رضوان الرمضاني، مدير موقع كيفاش، ومدير الأخبار بإذاعة ميد راديو، وصاحب البرنامج الشهير « قفص الاتهام »، أن الوزارة الوصية تتحمل مسؤولية كبيرة في هذه القضية.
وقال في اتصال مع إحاطة.ما : “أعتقد أن المسؤولية تتحملها بالدرجة الأولى الوزارة، حيت فشلت في التواصل حول الموضوع، وسفر الوزيرة إلى الخارج وصمتها، أما الكم الكبير من التقارير والكتابات، ظهر كأنه لا مبالاة وتجاهل لغضب الرأي العام”.
وأضاف الرمضاني أن “خروج وزير الداخلية وحديثه في الموضوع خلال المجلس الحكومي، في غياب وزيرة البيئة، أعطى الانطباع بأن هناك خطر ما.. وكان الأجدر أن تقطع الوزيرة جولاتها في الخارج، أو على الأقل تكلف من يقدم إجابات شافية وبالوثائق، وفي غيابها كان الأفضل أن يتحدث وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة .. هو إذن مشكل تواصل ومشكل ولوج إلى المعلومة، لأن الصحف الأجنبية صارت المصدر الوحيد للمعلومة في الملف”.
المهنية تدفع الثمن
إلا أن بوعلام غبشي، الصحافي بقناة فرانس 24، يرى في هذا الملف بعدا مهنيا يتحمل فيه الصحافيون المغاربة مسؤولية كبيرة خصوصا مع سعيهم لجذب الاهتمام والقراء.
وقال غبشي في تصريح ل “إحاطة.ما” : “أعتقد أن الصحافة المغربية قامت عموما بعملها في إطلاع الرأي العام الوطني على القضية، وإن كانت بعض العناوين تختار كما يحصل عادة في مثل هذه القضايا ممارسة نوع من “الاجتهاد”، يضر بالعملية الصحفية في نقل المعلومة كما هو محدد لها سلفا… وهذا “الاجتهاد” قد يشوه العملية الصحفية، ويفقدها في بعض الحالات مصداقيتها لدى القارئ، خاصة عندما تبتعد كثيرا عن الحقيقة. لكن لا يمكن توجيه اللوم للصحافة وحدها، وإنما للجهات المسؤولة على الملف والمفروض فيها توفير المعلومة للصحافيين”.
لكن غبشي لم يفوت الفرصة لتحميل الحكومية المغربية المسؤولية بدورها : “التعاطي الحكومي مع الملف فتح نوعا من التسابق بين بعض المنابر لربما للحديث في الموضوع من أجل الحديث ليس إلا، ومحاولة تسجيل الحضور إزاء قضية تهم كافة المغاربة، لأنه لو تم تصريف المعلومة من الوزارة الوصية بشكل تلقائي وسلس، أعتقد أنه سيغلق الباب في وجه أي محاولة لـ”الاجتهاد” الإعلامي”.
التخصص هو الحل
المشاكل التي تعرفها الصحافة في المغرب كانت سببا أيضا في تفاقم مشكل التعامل مع قضية أزبال إيطاليا، حيث أن المقاولة الصحافية تعيش سكونا وتخبطا يمنعها من مسايرة التطورات والتحولات التي يفرضها العصر.
ويرى المختار لغزيوي، مدير نشر جريدة الأحداث المغربية، أن المشكل يكمن في عدم تطور الصحافة الوطنية لتواكب المستجدات والمتغيرات. وقال لغزيوي ل “إحاطة.ما“: “إعلامنا لم ينجح ولم يفشل في تناوله لقضية نفايات إيطاليا بكل بساطة لأن إعلامنا لازال لم يؤمن بعد بالتخصص، ولم يفرد لقضايا البيئة صحافيين يشتغلون على هذا الموضوع بالتحديد. لابأس هنا من التذكير بأن جريدة الأحداث المغربية هي الوحيدة التي تصدر ملحقا أسبوعيا يسمى “أمنا الأرض” يشتغل على الموضوع البيئي ويحاول مقاربته مقاربة عاقلة تقدم المعلومة البيئية وتعرف أنه الرهان الأكبر في عالم اليوم “.
وأضاف الغزيوي: “إعلامنا ملزم بالتخصص لئلا نجد الجميع يتحدث عن الطاقة الأحفورية دون أن يكون هؤلاء الذين يتحدثون عنها يميزون بينها وبين بقية الطاقات التي تنفتح فجأة في رؤوس البعض وضمنها طاقة القدر التي تجعل معجزة التطاول في صحافتنا معجزة يومية تتم دون أي إشكال”.