من كلتا ضفتي البحر الأبيض المتوسط صدمنا خبران متناقضان: امرأة ”محتجبة” بالضفة الأولى يصدر في حقها أمر بإزالة الحجاب، وبالضفة الأخرى، سيدة ”محتجبة” تمتهن الوعظ والإرشاد يلقى عليها القبض رفقة ”داعية” شهير بالوعظ، وأحد الرؤوس المفكرة بحزب يستثمر الفضيلة.
قضيتان متشابهتان أسالتا معا حبرا كثيرا. فمن جهة ركب الفرنسيون قضية ”البوركيني” بغية الحصول على مكاسب انتخابوية، في الوقت الذي تفجرت بالضفة الأخرى فضيحة أخلاقية ارتكب الرذيلة فيها واعظان تعودا تجنيد الشباب قصد صرف نظره عن المشاكل الحقيقية لمجتمعنا، والزج به في متاهات الحرام والحلال.
في أول وهلة يبدوللقارئ أننا أمام قضيتين مختلفتين لكن هما في الحقيقة قضيتان مختلفتان في الشكل فقط يجمعهما تحويل الأنظار عن الحقيقة والتناقض البين.
فمن جهة ، نجد دولة فرنسا تتخبط في مشاكل اجتماعية في تركبتها وهي تجدد العهد مع أسلوب سبق أن نهجته قبل مائة عام، عندما اتهم أحد الفرنسيين ذي الديانة اليهودية، والذي أصدر دفاعا عنه الكاتب الشهير إيميل زولا كتابا تحت عنوان ‘’أتهم”.
أما اليوم، فمن الظاهر أن كبش الفداء أصبح يتمثل في مسلمي فرنسا بذريعة الحجاب قبل أن تتحول الأنظار نحو ”البوركيني”. فمن السهل جدا أن يتوهم البعض أنه سوف يتغلب على الهشاشة والبطالة وكل الصعاب التي يتخبط فيها الفرنسيون من خلال اتهام المسلمين. فكيف يعقل أن يفرض على امرأة أن تنزع ثيابها وأن تؤدي غرامة بالشاطئ، في الوقت الذي نجد نساء خليجيات تتجولن بخمارهن في أرقى المتاجر ويتبخترن على زرابي مبثوثة في أبهى الفنادق؟ هذه فرنسا المتناقضات.
أما في الضفة الأخرى، سنجد المغرب، ولفيف وعاظه الذين يحترفون الدعوة ويشحنون عقول الشباب بخرافات لا ارتباط لها مع الاسلام الحقيقي، ويوهمونهم بمدينة فاضلة وبأنهم ملائكة وطهرانيون إلى أن استفاق الجميع على وقع فضيحة المرسيدس.
خلاصة القول إذن، أن فرنسا، بلد حقوق الإنسان، وأول دولة سهرت على محو العبودية في مستعمراتها، تتراجع اليوم إلى مداعبة بعض الحساسيات المتخلفة لأهداف انتخابوية صرفة. ومن المحتمل جدا أن تؤدي هذه المغامرة الى انشقاق واضح داخل نفس المجتمع.
أما المغرب فيؤدي ثمن تفاعلات ديمقراطية نظرا لأن صعود هؤلاء الوعاظ إلى الحكم جاء نتيجة الصناديق الانتخابية.
فرنسا تراجعت عن غيها في آخر لحظة وأصدر مجلس الدولة قرارا ببطلان منع البوركيني في الشواطئK فهل تكون الانتخابات المقبلة حاسمة فيما يخص الحالة المغربية؟
– مترجم عن الفرنسية