إغلاق أكاديمية الملك فهد… وقف استيراد الفكر المتطرف إلى ألمانيا؟

يبدو أن القيادة السعودية الجديدة جادة في مساعيها لتحسين صورة المملكة في العالم أجمع وفي أوروبا عموما وألمانيا خصوصا، بعد أن بات اسم المملكة يتردد بعد كل اعتداء إرهابي في دول عديدة، رغم عدم ثبوت تورط مباشر لأي مؤسسة رسمية حكومية سعودية في أي عمل إرهابي، لا في الماضي ولا في الحاضر. إلا أن الانتقادات تتجه للمملكة عندما يجري الحديث عن نشر الفكر الديني المتطرف أو عن الفهم الديني المتشدد والذي يمثله التيار الفكري الوهابي المهيمن على الحياة العامة في المملكة، حيث تتوجه الأنظار إلى المدارس التي تمولها أو تدعمها السعودية في مختلف أنحاء العالم، من بينها أيضا ألمانيا، كما تتم مراقبة الدعم السعودي لبناء المساجد وإدارتها في ألمانيا وغيرها من الدول بعين الريبة والشك.
في هذا السياق أعلنت حكومة المملكة مؤخر أنها تعتزم إغلاق أكاديمية الملك فهد في بون المثيرة للجدل إلى جانب وقف بناء أكاديمية مماثلة وبنفس الاسم في برلين، رغم وجود عملية البناء فيها إلى المراحل الأخيرة، حسب ما صرح بذلك متحدث باسم السفارة السعودية في برلين لصحيفة “تاغيسشبيغل” البرلينية في عددها الصادر يوم الأحد الماضي(28 غشت 2016).
مساعي من أجل تحسين صورة المملكة
وكثر الحديث في هذه الأثناء حول الأسباب والمبررات الكامنة وراء هذه الخطوة التي لم تكن مرتقبة، رغم وجود مشاكل جدية بشأن المدارس السعودية في ألمانيا، حيث عبرت السلطات الألمانية في ولاية شمال الراين ويستفاليا والتي تقع فيها مدينة بون الحاضنة لأكاديمية الملك فهد عن قلقها بشأن المنهج الديني في الأكاديمية وتحدثت عن دعوات “للجهاد” تطلق منها. كما قام جهاز “حماية الدستور” وهو جهاز الأمن الداخلي، بمراقبة الأكاديمية ومحيطها الاجتماعي بسبب كثافة نزوح السلفيين إلى بون في السنوات العشرين الأخيرة، ومازالت هذه المراقبة قائمة. إلى ذلك عبرت السلطات في برلين أيضا عن قلقها بشأن بناء فرع للأكاديمية في برلين يستوعب حوالي 400 طالب وطالبة واشترطت عند منحها ترخيص البناء عدم بناء مسجد في الموقع المحدد للأكاديمية.

ولكن وبعيدا عن هذا القلق، يأتي قرار الإغلاق في زخم التغييرات الكبيرة التي تشهدها المملكة في عهد الملك سلمان ونجله ولي العهد محمد بن سلمان الذي أطلق مشروع ما يسمى “رؤية السعودية 2030” والذي يتضمن إصلاحات اقتصادية واجتماعية طموحة وغير مألوفة، كما يقول الأستاذ هينر فورتيغ، رئيس معهد “GIGA” لأبحاث الشرق الأوسط في حديث مع DW والذي يضيف أن “قرار إغلاق الأكاديمية يرتبط بشكل واضح مع التغييرات الديناميكية الحيوية التي تجري حاليا في المملكة العربية السعودية”.
ويضيف البروفيسور الألماني فورتيغ أن هذه الخطوة تندرج في إطار “محاولة تحسين صورة وسمعة المملكة في أوروبا” مشيرا إلى أن النقاش الساخن حول الأكاديمية في السنوات الماضية بشأن الانتقادات حول نشر العقيدة المتطرفة بين تلاميذ الأكاديمية لم تمر بشكل عابر من قبل القيادة السعودية وأن هذه الأخيرة ترغب في الخروج من عنق الزجاجة.
قرار الإغلاق جاء متأخرا لكنه جيد
من جانبه، قال الباحث الاجتماعي والسياسي والمتخصص في الجماعات الدينية المتطرفة في ألمانيا الدكتور رالف غضبان في حديث مع DW “إننا ننتظر مثل هذا القرار منذ زمن بعيد”. ويضيف “وللتذكير فعندما تم الكشف عن أن الأكاديمية تنشر الفكر الديني السلفي في بون وتدعو إلى معاداة الغرب، كانت السلطات تنوي في وقتها إغلاق هذه الأكاديمية، لكن الضغوط التي مورست عليها من قبل الدولة السعودية والتهديد الاقتصادي، وخاصة في عهد المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر، وخاصة التهديد بإغلاق المؤسسات الألمانية في السعودية حال دون تنفيذ عملية إغلاق الأكاديمية. وألان بعد حوالي 12 عاما جاء القرار، وإن كان متأخرا، إلا أنه قرار جيد”.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح حاليا هو، هل يكفي قرار إغلاق أكاديمية الملك فهد لوقف انتشار الفهم “الوهابي” للإسلام في ألمانيا؟

يجيب الدكتور رالف غضبان عن السؤال دون أن يفكر طويلا بالقول” “كلا، لن يتم القضاء نهائيا على هذه العملية (عملية تصدير الفكر “الوهابي” إلى ألمانيا)، لأن قسما من المسلمين المتطرفين سيرسلون أولادهم إلى بريطانيا، حيث توجد هنالك مؤسسات تعليمية بأقسام داخلية تقوم بمهمة تدريس التلاميذ المسلمين الفهم السلفي المتطرف للدين”.
الخطوة التالية المطلوبة
لذلك يدعوالخبير غضبان إلى خطوة ثانية متممة للخطوة الأولى ويقول: “الخطوة الثانية الضرورية تتمثل في منع تمويل الجوامع والمؤسسات الثقافية الأخرى في ألمانيا من قبل السعودية. وبهذه الخطوات فقد تتسع دائرة الحظر على نشر الفكر السلفي وامتداداته في ألمانيا”.
ويؤكد الدكتور رالف غضبان على ضرورة اعتماد الجاليات المسلمة على أنفسهم فيما يخص انجاز مشاريع بناء المساجد في ألمانيا ويقول: “يجب أن يتم تمويل بناء المساجد في ألمانيا بأموال داخلية على شكل تبرعات وغيرها، كما يحصل ذلك عند بقية الطوائف الدينية الموجدة في البلاد، وليس بتمويل خارجي من السعودية أو الدول الخليجية”.
تجدر الإشارة إلى أن مؤسسة DW حاولت مرارا وتكرار الاتصال بأكاديمية الملك فهد لتوثيق موقف رسمي منها بهذا الشأن، إلا أن الأكاديمية مازالت في العطلة الصيفية ولم يتسنى بعد الحصول على موقف صحافي منها. كما حاولت DW الاتصال عدة مرات بالسفارة السعودية في برلين وقنصليتها في فرانكفورت، إلا أن كل الاتصالات باءت بالفشل، حيث لم يكن ممكنا الوصول إلى مصدر رسمي لتوثيق موقف سعودي رسمي في ألمانيا بهذا الشأن.

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة