السيد عبد الرحيم الشيخي،
تحية مفعمة بالاحترام والتقدير،
حين علمت بخبر ترشيح السيد حماد القباج للبرلمان، تبادر إلى ذهني وجهك، خاصة مع الحكمة التي أبنت عنها خلال الأزمة الأخيرة التي مست حركة التوحيد والإصلاح.
ومن مصادفات الأقدار، وما أكثر المواعظ منها، أن أحدثك في هذه الرسالة عن يوم سابق في الزمن، تَمَكَنَّا فيه معا من تبادل وجهات النظر بشكل صريح وواضح عن أشياء حساسة تهم مستقبل البلد، وهو الحديث الذي، رغم تباعد التقديرات بيننا، لم أشعر فيه ولو لحظةً بكراهيةٍ ما من طرفك تجاهي.
وأذكر، والمناسبة شرط، أنني أثرتُ من ضمن ما أثرتُ موضوع مسؤولية بعض الفصائل الإسلام السياسي في دق إسفين الكراهية بين المغاربة على أساس ديني، مذكـِّرا بأن الجيوش والقبائل التي جاءت بالإسلام إلى شمال إفريقيا وجدت ضمن الديانات التوحيدية التي سبقته على هذه البقعة من أرض البشرية، وجدت قبائل تدين بدين اليهودية، وأن التعايش بينهما في ما تتابع من الأيام والحقب يرجع الفضل فيه إليهما معا، حتى أصبح عنصرا بنيويا في المجتمع المغربي.
وأكدت على أن هذا الاستعداء على اليهود واليهودية، يأتي من خلط مقصود بين الصهيونية المُدانة كمذهبٍ عنصري أسَّس لإسرائيل وبين اليهودية كدين كسائر الأديان السماوية، له الحق في الوجود شريطة احترام عقائد الآخرين والتعايش معها. وقلت كذلك أن لي من البراهين على صحة ما أقول معايشتي لمناضلين مغاربة يهود من ضمنهم الراحل المشمول برحمة الله أبراهام السرفاتي الذي لقَّن جلاديه أمامي وطوال السنوات التي عاشها داخل المعتقل السرّي أو مختلف السجون التي قضى بها السنوات السبعة عشر، بل وخلال حياته كلها، دروسا في التضامن مع الشعب الفلسطيني أداها من حريته وصحته وراحته مما سيظل مصدر فخر لكل مناضل يحركه نَفَسٌ آدمي إنساني تجاه جميع المضطهدين على وجه الأرض…
وعند ذلك توجهتَ إليَّ وقلتَ بشكل حاسم وحازم: هذا شعار ينتمي إلى الماضي، ولم يعد يكرره بيننا إلا “فلان” ونحن نعمل على إقناعه بالكفِّ عن ترديده. لم يكن في ملامحك ما يشي إلا بالثقة. واسمح لي ألا أكشف الاسم إكراما لك سي عيد الرحيم، فالمجالس أمانات.
لكل ذلك حين توصلت بخبر ترشيح السيد حماد القباج على لوائح حزب العدالة والتنمية الذي تربطه قرابة إيديولوجية كبرى بحركة التوحيد والإصلاح التي ترأسها، استوقفني سيل التحفظات والتعجبات والتخوفات المعبر عنها من طرف العديدين. والحق أقول أنني لم أكن أعرف عن السيد القباج الشيء الكثير، فعدت إلى مواعظه أستشف منه الخبر اليقين. فما الذي وجدْتُه يا ترى؟
إليك بعضا من نماذج “قناعاته”.
يقول السيد القباج بالحرف ما يلي: “اليهود أفعى خطرة، ذنبها في فلسطين ورأسها يمتد في جميع أنحاء العالم”.
وإليك نموذجا من متمنياته: “اللهم عليك باليهود. اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، ونعود بك من شرورهم، اللهم اجعل تدبيرهم في تدميرهم وخذهم أخذ عزيز مقتدر.. فصب عليهم اللهم سوط عذاب. أرنا فيهم آية في القريب العاجل وخذهم أخذ عزيز مقتدر”.
نموذج آخر: “اللهم نسألك أن تنتقم منهم وتكفينا شرهم وتجعل كيدهم في نحرهم”.
نموذج أخير:”اليهود…الأنجاس الأرجاس”. أو الاستشهاد بما نُحل وربما أُقحم في الأحاديث النبوية الضعيفة على سبيل المثال: “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي… الخ.”
بصراحة مهما قلَّبنا هذه التصريحات سنجدها تطرح إشكالات محرجة حقا لكل ذي ضمير يقظ مهما كان موقعه.
فما هو مثلا موقع هذه التصريحات المليئة بالكراهية والحقد على الديانة اليهودية، ما هو موقعها من المقتضيات الدستورية المتعلقة ببلادنا باعتبار “المملكة المغربية… متشبثة… بصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”.
لمن سوف يؤول ولاء السيد القباج حين سيكون عليه وضع السياسات والتعبير عن المواقف لو قدر له أن يدخل البرلمان؟ سيكون ولاؤه لمقتضات الدستور أم لخطاب الكراهية؟
وأين هي دلائل المقاربة السمحة للدين الاسلامي التي يتبناها رسميا الحزب الذي رشح القباج ليبوأه موقع المشرِّع؟
وما هو نوع التعامل الذي تنوي اتباعه حركة التوحيد والإصلاح تجاه هذا الوضع؟ وما هي الضمانات في حال النفي المحتمل لهذه التصريحات من طرف صاحبها ونحن نرى أن التبريرات لأغرب الحالات تجد من يدافع عنها حتى وسط صفوف الاسلاميين من قبيل إنكار الواقع القائم.
بصراحة، حين أضع أمامي بعض تصريحات السيد القباج، أشك في “قناعاته” الديمقراطية المتأخرة.
يقول السيد القباج: “لما كانت الديمقراطية واقعا مفروضا، تحكمنا شئنا أم أبينا، فنصب ميزان المصلحة والمفسدة محتم لتقليص الشر وتوسيع الخير قدر الإمكان. وقواعد الشرع ومسلمات العقل كما ترشدنا لنبذ مساوئ الديمقراطية والكفر بها، فإنها أيضا ترشدنا للاستفادة من مزاياها التي تجعلها الشريعة في دائرة المباح…”
واضح أن السيد القباج لا يقبل بالديمقراطية إلا اضطرارا، وللاستفادة منها بقدر ما تسمح به الشريعة. الشريعة كما يفهمها هو. أي إيديولوجية السلطة القاهرة المستبدة باسم الدين، تلك التي يسعى للحصول عليها بكل الوسائل ولو بنقيض قناعاته. وواضح كذلك أن دعواته المبنية على الكراهية لا يطرأ عليها تغيير ولا تبديل لأنها مستمدة من “الشريعة”… بكلمة: استعمال الديمقراطية من أجل وأدها وإقبارها. والأمثلة أكثر من أن نسوقها في هذه المقالة القصيرة.
هل هذا هو التأويل الديمقراطي للدستور؟ هل بهذه الأفكار والدعوات نبني مؤسسات الدولة الديمقراطية؟
سؤال مطروح على الضمائر الحية.