يعتبر المغرب والسنغال بلدين شقيقين وصديقين يجمعهما تاريخ عريق يشمل مختلف المجالات، وتربطهما علاقات اقتصادية متميزة تعد بمستقبل واعد بفضل إرادة قائدي البلدين جلالة الملك محمد السادس، والرئيس ماكي سال إعطاء دفعة حقيقية للتعاون الثنائي.
وتعددت الزيارات التي قام بها جلالة الملك محمد السادس إلى بلاد التيرانغا، منذ سنة2001، ومكنت من إضفاء بعد جديد للعلاقات الاقتصادية بين البلدين اللذين باتا كرسا صورتهما كشريكين قويين في قارة ما زال التعاون الإقليمي فيها لا يرقى إلى المستوى المطلوب.
وفي هذا الإطار بالضبط، تأتي الزيارة الرسمية التي يقوم بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس ابتداء من يوم غد الأحد إلى دكار، بما يؤكد- إن كان في الأمر حاجة إلى التأكيد، تميز العلاقات بين الشعبين الشقيقين ورؤية جلالة الملك الرامية إلى جعل قطب –الرباط-دكار رافعة للتنمية الإفريقية.
وتجدر الإشارة إلى أن المبادلات المغربية السينغالية ما فتئت تتطور سنة بعد أخرى، كما يدل على ذلك الارتفاع المسجل في الواردات والصادرات في الاتجاهين.
وتشهد هذه الشراكة التي تهم قطاعات استراتيجية متنوعة تتوزع بين الفلاحة والتكوين والنقل والطاقة، مرورا بالسكنى والصناعة الدوائية والتكنولوجيات الحديثة، على اختيار مدروس لمنتوجات موجهة بالدرجة الأولى لتلبية حاجيات الساكنة.
وكما تظهر ذلك الإحصائيات، فالسنغال يعد الزبون الأول للمغرب بإفريقيا جنوب الصحراء ب12 في المائة من الصادرات، والمورد الثامن للمملكة على مستوى المنطقة ب2,13 في المائة من الواردات.
وفي سنة 2014، شملت أهم واردات المغرب انطلاقا من السنغال كلا من الأسماك المعلبة (30,41 مليون درهم)، والقطن (27,46 مليون درهم)، ومنتجات الأشجار المثمرة (9,17 مليون درهم).
وفي المقابل، تضمنت المنتوجات الأكثر تصديرا في اتجاه السنغال المنتوجات الآزوتية والأسمدة التي بلغت قيمتها 180,4 مليون درهم، ومنتوجات الورق والورق المقوى (105,48 مليون درهم) ومنتوجات بترولية أخرى (81,96 مليون درهم).
وتم، منذ أمد بعيد، اتخاذ مبادرات ملموسة بهدف الاستجابة لحاجيات الفاعلين الاقتصاديين، ومنها، على سبيل المثال، الاتفاقية الثنائية لسنة 1964 التي تضمن معاملة بالمثل مع المقاولات المغربية والسنغالية فوق تراب البلدين، وهي اتفاقية تؤشر بكل وضوح على الرغبة في إرساء شراكة مستدامة ذات أسس متينة.
ومنذ سنة 2000، ما فتئ الحضور الاقتصادي المغربي بالسنغال يتزايد بانتظام، وذلك من خلال إطلاق استثمارات خاصة وتضاعف المبادرات الرامية إلى تعزيز هذا الحضور.
وكان صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والرئيس السنغالي ماكي سال، ترأسا خلال الزيارة الملكية لدكار في ماي 2015، مراسم التوقيع على 28 اتفاقية تعاون في مجالات مختلفة.
وجاء توقيع هذه الاتفاقيات لينضاف لأزيد من 100 اتفاقية أخرى تربط بين البلدين في مختلف المجالات، والرامية إلى إثراء الإطار القانوني المكثف، للتعاون المغربي السينغالي، وإلى تعزيز العلاقات المتميزة بين البلدين.
وتعكس هذه الاتفاقيات، بكل وضوح، الالتزام الراسخ لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، من أجل تعزيز تعاون جنوب- جنوب متضامن وفعال، الذي جعل منه جلالته أحد المحاور الأساسية للسياسة الخارجية للمملكة بما يخدم مصالح الشعوب الإفريقية الشقيقة.
ويعكس توقيع هذه الاتفاقيات كذلك الإرادة المشتركة لقائدي البلدين للمضي قدما على درب تعزيز العلاقات بين السينغال والمغرب.
وفضلا عن ذلك تندرج هذه الاتفاقيات في إطار المقاربة الملكية المندمجة إزاء إفريقيا، والتي تضع العنصر البشري في صلب مسار وأهداف التنمية، على أساس استفادة منصفة من ثمار التنمية.
وتميزت هذه الزيارة أيضا بتنصيب مجموعة الدفع الاقتصادي المغربية السينغالية، وهي بنية أحدثها البلدان لهيكلة علاقات الشراكة الاقتصادية بينهما وإضفاء الدينامية عليها، وتحفيز الاقلاع المشترك، والنهوض بالشراكة بين القطاعين الخاصين بالبلدين، وضمان تتبع إنجاز اتفاقيات بين القطاعين العام والخاص والقطاعين الخاصين بالبلدين.
وجاء إحداث هذه البنية الجديدة تنفيذا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل تعزيز أكثر للعلاقات مع السينغال، البلد الشقيق الذي تقيم معه المملكة شراكة مثمرة ومتعددة الأشكال.
ويترأس مجموعة الدفع الاقتصادي المغربية السينغالية، التي ستجتمع مرة كل ستة أشهر، بشكل مشترك، كل من وزيري خارجية البلدين ورئيسي اتحادي أرباب المقاولات بالبلدين. وتضم المجموعة عشرة مجالات للأنشطة تم تحديدها كقطاعات ذات أولوية.
وكانت اللجنة الرقمية لمجموعة الدفع الاقتصادي المغربية السنغالية، عقدت في يونيو الماضي بدكار، اجتماعها الأول الذي خصص لتقييم الجهود المبذولة من أجل تنفيذ المشاريع التي شكلت موضوع الاتفاقات الموقعة بين البلدين في مجال الاقتصاد الرقمي.
وتمثل الهدف من هذا الاجتماع في تشخيص الصعوبات التي يمكن أن تشكل عائقا أمام تنزيل مشاريع التنمية كما استهدفتها اتفاقات الشراكة التي تم توقيعها خلال زيارة صاحب الجلالة الملك محمد السادس للسنغال في ماي 2015.
كما تطرق اللقاء إلى سبل تنفيذ استراتيجيات التنمية كما هي محددة في مخطط السنغال الصاعد بشراكة مع الشركات المغربية.
هكذا إذن، يقدم محور الرباط-دكار نموذجا يحتذى بالنسبة لدول المنطقة التي تؤمن بوجاهة النموذج المغربي وقدرته على مساعدتها والمضي قدما في المشاريع التنموية بها.