ليس من الممكن عمليا أن يذهب جميع الناس إلى السينما اعتبارا لمحدودية قاعات العرض، ولكن من الممكن أن تذهب السينما إلى الجميع، وهذا ما حدا بالمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في دورته السادسة عشرة، إلى تحويل ساحة جامع الفنا التاريخية إلى فضاء لمشاهدة الأفلام بشكل جماعي ودون مقابل.
فقد شكلت الشاشة الكبرى، التي نصبت وسط الساحة، فضاء لتجمع المئات، إن لم يكن الآلاف، من الأشخاص يوميا، من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، بينهم سياح، طيلة أيام المهرجان لمشاهدة عدد من الأفلام المغربية والعالمية بحضور مخرجيها أو بعض أفراد طاقمها.
وفي مسعى لتوزيع الثقافة بشكل عادل على الجميع بالمجان، وملامسة مختلف الفئات الاجتماعية، وتحبيب السينما لقطاع عريض من الناس من خلال تقريبها إليهم، تم عرض ثمانية أفلام، ينتمي مخرجوها لبلدان مختلفة، قاسمها المشترك الإثارة والتشويق والعمق والانفعالات القوية مراعاة لتباين الأذواق وتنوعها.
وفي سياق تكريم النجمة الفرنسية إيزابيل أدجاني، اليوم الجمعة، تختتم العروض السينمائية في الهواء الطلق بعرض فيلم “سابواي – مترو الأنفاق” (1985) لمخرجه الفرنسي لوك بيسون، ومن تشخيص أدجاني وكريستوف لومبير، الذي يتطرق لمطاردة مثيرة في عالم الأنفاق بباريس تتشكل خلالها علاقة غريبة بين سارق وثائق مهمة وضحية السرقة.
وتم، أمس الخميس، عرض فيلم “بزوغ كوكب القرود” (2014) (الولايات المتحدة وبريطانيا)، المقتبس عن رواية لبيير بول، وهو من إخراج مات ريغز وتشخيص جيسون كلارك بحضوره إلى جانب لجنة التحكيم، ويحكي قصة تزايد طائفة من القرود المتطورة على نحو سريع تهددها مجموعة من البشر نجت من فيروس مدمر انتشر منذ عشر سنوات. وتوصل الطرفان إلى هدنة مؤقتة، قبل أن يجدا نفسيهما على وشك خوض حرب ستحدد أي جنس سيحكم الأرض.
أما الفيلم الأمريكي “وادي الإله” (2007) لبول هاجيس، الذي تم عرضه أول أمس الأربعاء بحضوره، فيحكي الحرب على العراق، من خلال قصة الجندي مايك ديرفيلد الذي يستفيد من أول إجازة قبل أن يختفي في ظروف غامضة، ليتم التبليغ عنه وتسجيله هاربا، ويشرع والده هانك، الضابط السابق في الشرطة العسكرية، ووالدته جوان في البحث عنه بمساعدة ضابط الشرطة في ولاية نيومكسيكو، حيث شوهد مايك آخر مرة.
وبمناسبة تكريم الكوميدي المغربي عبد الرحيم التونسي (عبد الرؤوف)، يوم الثلاثاء الماضي، تم عرض فيلم “ماجد” (2010) من إخراج وإنتاج وسيناريو نسيم عباسي من المغرب، ومن تشخيص عبد الرؤوف، الذي حضر العرض، إلى جانب الفنانين محمد بن إبراهيم وعائشة ماهماه وعزيز حطاب وإبراهيم البقالي وعبد الله صابر ومولاي عبد الله العمراني وهشام الإبراهيمي.
ويروي هذا الفيلم، الذي لقي إقبالا جماهيريا كبيرا، قصة الطفل اليتيم ماجد، الذي يشتغل بائع كتب وماسح أحذية في أزقة مدينة المحمدية. وفي الوقت الذي يحلم فيه أخوه الأكبر إدريس بالهجرة إلى أوروبا، يقرر التوجه إلى الدار البيضاء في رحلة مليئة بالمغامرات والمخاطر بحثا عن صورة لوالديه الراحلين وذكرياته معهما.
وكان لجمهور الحركة والخيال العلمي، فضلا عن العمق والتقنية العالية، يوم الاثنين المنصرم، نصيب من خلال عرض فيلم “روبوكوف” (1987) للمخرج والمنتج وكاتب السيناريو الهولندي بول فيرهوفن، الذي تم تكريمه أيضا.
وحضر فيرهوفن، الذي قدم بالمناسبة درسا في السينما (ماستر كلاس)، عرض فيلمه الذي يحكي عن تفشي ظاهرة الجريمة في ديتروت الأمريكية في مطلع سنة 2000، واضطرار الشرطة إلى اختراع شرطي إلكتروني (نصفه آدمي ونصفه آلي) لضمان أمن ساكنة المدينة، ولكن كانت لهذا الرجل الآلي، المصنوع من لحم وحديد، روح كذلك.
ويحكي فيلم “إيفرست” (2015)، من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيسلندا، الذي تم عرضه يوم الأحد، وهو من إخراج بالتازار كورماكور، وتشخيص جيسون كلارك بالخصوص بحضوره، مسابقة لاختبار شجاعة متسلقين أمام عقبات صعبة جدا تحولت إلى معركة شرسة للبقاء على قيد الحياة، وذلك في ظل عاصفة ثلجية قاسية جدا.
ومن إخراج كيم جي – وون من كوريا الجنوبية، تم يوم السبت بحضوره عرض فيلم “الطيب والسيء وغريب الأطوار” (2008) عن منشوريا في سنوات الثلاثينيات، حيث يقوم غريب الأطوار بسرقة خريطة الكنز من أحد الأعيان اليابانيين، ويسعى السيء وهو قاتل محترف لاسترجاعها منه، ويرغب الطيب في العثور عل حامل الخريطة ليحصل عل المكافأة. ولن يتمكن إلا واحد فقط من الثلاثة من بلوغ الهدف، إذا تمكن من القضاء على الجيش الياباني وعلى أشرار صينيين وعلى عصابات كورية، علاوة على الخصمين.
وفي أول أيام المهرجان السادس عشر للمهرجان بعد حفل الافتتاح، تم بحضور كالكي كويتشلن عرض الفيلم الهندي “لن تحيا مرة ثانية” (2011) من إخراج زويا أختار، الذي يحكي قصة كبير الذي عقد توديع حياة العزوبية من خلال القيام بسفر رفقة رفيقيه المفضلين.
وبهذا يكون المهرجان الدولي لمراكش قد أوفى بوعده لسكان المدينة الحمراء ومنحهم فرصة للاستمتاع بجماليات الفن السابع، ومنح تجار ساحة جامع الفنا ومنشطيها فرصة الرواج الاقتصادي الناجم عن الاكتظاظ على مدى ثمانية أيام.