أسماء بن العربي تكتب : دعونا نحافظ على مابقي من إنسانيتنا

أينما وليت وجهك تجد صور شهداء وجرحى القصف على حلب، صور مؤلمة ومفجعة. أناس أُخرجوا من تحت الأنقاض موتى أو جرحى، أحياء دمرت وتحولت الى أحياء أشباح بعد أن كانت تعج بالحياة…لكن ما الهدف من نشرها؟ مع بعض الإعجاب وادعوا لإخوانك في سوريا أو العراق أو فلسطين أو بورما ما الهدف من إضافة عبارة سيخبرون الله بكل شيء أو أدعية وأبيات شعرية وغيرها من العبارات؟ هل الله لا يعلم بما يحدث؟ هل يحتاجون لإخبار الله بما حدث لهم؟
جميل أن تتضامن مع الضحايا، أن تشعر ولو بالقليل مما يشعرون أن تحسسهم بأنك معهم بالوسائل التي تملك سواء بمساهمات مادية أو دعاء في صلاة أو التنديد أو حتى بتغيير صورة بروفايل،لكن لا فائدة من نشر صور أشلائهم و صور موتاهم، لا فائدة من عرض ضعفهم و عجزهم وانكساراتهم. بل بالعكس نشرها يجعلنا نطبع مع الموت، ومع الحروب والجرائم.
من منا لا يتذكر الطفل محمد الدرة الذي استشهد برصاص الإحتلال الإسرائيلي، أتذكر كيف أحدث استشهاده ضجة عالمية، خرج الألاف عبر العالم للتنديد بالحادث، كانت طريقة قتله في ذلك الوقت مفزعة ومرعبة. في الذكرى الأخيرة لاستشهاده أعيد نشر الفيديو لا أنكر أن المشهد لا زال يؤلم والقتل لا يبرر مهما حدث، لكن لا يقارن بصور وفيديوهات القتل والدمار التي شاهدنا في السنوات الأخيرة،لقد تشبعنا بصور الأشلاء والدم والقتل أصبح فيديو الدرة شبه عادي فعلى الأقل لم يمثل بجثثه ولم تمزق أشلاؤه ولم يحرق حيا و لم يكن نائما في بيته ونزل برميل متفجر حول البيت إلى ركام وسكانه إلى جثث هامدة، ولم يركب البحر هربا من الحرب لتلفظه الأمواج أو يأكله السمك.
كان يخيفنا منظر الحرب في فيلم سينمائي ونتفادى رؤيته، والآن أصبحنا نشاهد مئات الصور والفيديوهات لكل أنواع الدمار والقتل، تتعدد الأسباب بين من يقتل باسم الدين ومن يقتل باسم الوطن ومن يقتل باسم القبيلة والإنتماء لكن الضحية واحدة، أناس أبرياء،كل ما يتمنونه هو الحق في العيش والأمان والسلم.
المشاهد التي كنا نراها في الأفلام وتجعلنا نمتنع عن الطعام ولا نستطيع النوم، أصبحنا نراها حقيقة على القنوات التلفازية وعلى مواقع التواصل والمواقع الإخبارية…لم تعد تسبب لنا الأرق ولا تمنع شهيتنا عن الطعام، وفي أحسن الحالات وللحفاظ على ما تبقى من إنسانيتنا نغير القناة لنستمتع بحياتنا، وأصبح العديد لا يجد حرجا في تناول طعامه أمام شاشة تنقل القتل والخراب. و أكثر من ذلك اصبح العديد يتاجر بدمائهم سواء بالبحث عن أكبر عدد من المشاهدات أو جعلهم وسيلة لانتشار صفحاتهم ومواقعهم.
صحيح أن للصور والفيديوهات أهمية كبيرة في نقل الأحداث وايصال الحقيقة لكن كل شيء يزيد عن حده ينقلب إلى ضده، فانتشارها يفقد الموت حرمته، والتضامن قيمته، و يجعلنا نتطبع ونتعايش مع الدماء.
أرجوكم دعونا نحافظ على ما تبقى من إنسانيتنا، لا نريد أن نرقص على دماء الآخرين، لا نريد أن نتابع أخبار الحروب مثل ما نتابع أحداث مسلسل، لا نريد أن يأتي يوم نرى طفلاً ميتاً او امرأة مجروحة أو رجلا يبكي أهله ونضغط زر الإعجاب أو نمر دون أن يحرك فينا الأمر شيئاً، لا نريد أن نصبح قتلة من نوع آخر…

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة