قبل ثلاث سنوات فقد محمد علواني، 46 سنة، فلاح من بلدة وادي زم، الواقعة على بعد 170 كيلومتر جنوب العاصمة الرباط، ابنه ياسين البالغ من العمر 15 سنة. وتحولت حياة أسرة علواني بكاملها إلى مأساة. ويحكي الأب محمد بمرارة عن فقدان فلذة كبده، حيث لا تمر أية مناسبة دينية أو عائلية دون دون الحديث وسط الأهل والأحباب عن الإبن الغائب.
يتذكر محمد كيف توقف إبنه ياسين عن الذهاب إلى المدرسة “ياسين كان يحلم بالهجرة إلى إسبانيا وعمره 13 سنة” يقول الأب. حلم الرحلة الى أسبانيا دفعه إلى مغادرة مدرسة سيدي عبدالعزيز بمدينة وادي زم، وهي مؤسسة للتعليم الإعدادي. وفجأة تلقى الأب في وقت لاحق مكالمات هاتفية، تفيذ أن ابنه يوجد بمدينة سبتة المغربية الخاضعة للنفوذ الإسباني. ويحكي الوالد محمد أن آخر اتصال له بإبنه كان منتصف عام 2013، حيث أخبره فيها أنه سيتسلل إلى التراب الإسباني، داخل شاحنة كبيرة لنقل البضائع. وبعد مضي ستة أشهر انقطعت أخباره، ورجح الأب أن يكون إبنه قد وصل إلى الجنوب الإسباني بطريقة تهريبية.
واستمر الوضع كذلك على مدى ثلاث سنوات ولا خبر عن الإبن القاصر. وكلما رن الهاتف إلا واعتقد الأب الشقي أنه سيتوصل بمكالمة من ابنه. كذلك كان الأمر بالنسبة لكل أفراد الأسرة التي لم تعد تتحمل الفراغ الذي تركه غياب القاصر داخل البيت، بل أصبحوا جميعا يأملول في التوصل بأي خبر عنه، وربما العثور عليه عليه حيا أو ميتا، حتى يعرفوا مصيره الحقيقي.
مآساة أسرة علواني تشبه مآسي العديد من الأسر بالعديد من المدن في مناطق الفقيه بنصالح وبني ملال وخريبكة ووادي زم وهي المناطق الواقعة وسط المغرب، والتي يطلق عليها إسم مثلث الموت. إنها مدن تشتهر بهجرة العديد من أبنائها نحو أوروبا بطرق غير قانونية، وغالبا ما يتخلص هؤلاء المهاجرون من وثائق ثبوت هويتهم عند الوصول إلى أوروبا لتفادي تعرف سلطاتها على هويتهم والقيام بترحيلهم إلى المغرب.
ويصرح نشطاء من المجتمع المدني المغربي وباحثون في قضايا الهجرة، أن ظاهرة هجرة القاصرين شهدت في السنوات الأخيرة تناميا ملحوظا بسبب القرب الجغرافي للمغرب من إسبانيا، ورغبة هؤلاء في عيش أفضل في المهجر.
برنامج “مختفون”
اتصل الأب محمد بالقناة الثانية المغربية، التي تبت أسبوعيا برنامجا بعنوان “مختفون”. وهو برنامج تلفزيوني يدعو المشاهدين إلى المساعدة في البحث عن مختفين ويطلب منهم الاتصال بأسرهم وأهاليهم في حال توفر معلومات عن هؤلاء المفقدودين. ويحكي محمد أنه مازال ينتظر حتى الآن رد القائمين على البرنامج، لتحديد الموعد الذي سيتم فيه نشر بلاغ اختفاء ياسين.
كما اتصل الأب محمد بوزارة المغاربة المقيمين بالخارج، والتي اتصلت بالسفارة المغربية بإسبانيا بهدف تحريك منظمات خيرية في البحث عن القاصر المفقود. ويتحدث الأب بشعور الألم لوضعه هذا، ولا يخفي مخاوفه من أن يكون ابنه قد لقي مصرعه، بعدما انقطعت أخباره على ما يزيد عن ثلاث سنوات.
ويعتقد الدكتور محمد خشاني رئيس الجمعية المغربية للبحوث والدراسات حول الهجرة، وهو أستاذ القانون بجامعة محمد الخامس بالرباط أن عصابات منظمة باتت تتاجر بهجرة القاصرين منذ سنوات. وتستغل هذه العصابات بحسب رأي الباحث فقر العديد من العائلات في البوادي والأحياء المهمشة، وخصوصا في المدن الداخلية، قصد إغراء هؤلاء القاصرين وإيهامهم بإمكانية العيش في “جنة” دول الاتحاد الأروبي.
ويذكر الباحث الخشاني أن العديد من التقارير الأمنية كشفت عن وجود عصابات تشمل أجانب من إسبانيا والجزائر وتونس وتنشط في هذا القطاع داخل المغرب وخارجه وهو عبارة عن مافيات لترحيل القاصرين إلى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين في الشمال المغربي لترحيلهم نحو بلدان أروبية.
خلايا للبحث عن المفقودين
ومع ارتفاع عدد القاصرين المهاجرين إلى الدول الأوروبية وتنامي عدد المختفين منهم في ظروف غامضة، أحدثت وزارة المغاربة المقيمين في العالم خلايا لتتبع حالات المفقودين.
وأوضح أنيس بيرو وزير مغاربة العالم في حديث ل DW، إن وزارته “تتبع جميع الشكايات الواردة عليها من العائلات المغربية بهذا الشأن، حيث يتم معالجتها أوإحالتها على السفارات المغربية بالخارج، قصد مخاطبة الجهات الرسمية للدول الصديقة ومساعدتنا في الوصول إلى المفقودين”.
ويعتبر المسؤول الحكومي المغربي أن وزارة مغاربة العالم تقوم في الوقت ذاته بمساعدة القاصرين المغاربة بأوروبا في العودة إلى حضن أسرهم. ولا يخفي الوزير وجود “مشاكل تعترض الأسر في الاهتداء إلى أبنائها المختفين”، لكن الهدف يبقى دائما معالجة هذه المشاكل، كما يقول الوزير.
الجهل والفقر سبب هجرة القاصرين
ويعتبرالخبير خشاني أن العصابات المنظمة التي تهرب الأطفال تختار غالبا مناطقق نائية وفقيرة جدا لإقناع آباء القاصرين بهجرة أبنائهم، مؤكدين لهم أن مستقبلهم سيكون مزدهرا بأوروبا. ويشدد المتحدث على أنه من السهل استغلال جهل الأسر وفقرها للدفع بأبنائها القاصرين للهجرة عبر مدينتي سبتة ومليلية الخاضعتين للنفوذ الإسباني.
ويشير الباحث خناشي أن الأسر باتت تعتقد أن العديد من المنظمات الإنسانية الدولية تعتني بالقاصرين كما إن هناك أسر تعتقد أنه بعد مرور سنوات سيحصل اندماج للأبناء وسط تلك المجتمعات الأوروبية، وأنهم سينجحون في حياتهم. لكن الخبير يلاحظ أن الحقيقية غير ذلك، حيث قد يتم استغلال هؤلاء من طرف جهات إرهابية بسبب عدم تأقلمهم في تلك المجتمعات.