لم تختلف سنة 2016 عن السنوات التي سبقتها من زمن الولاية الحكومية السابقة (منذ 2011) في تقييم الفاعلين والمهتمين بالشأن الاجتماعي في المغرب لمسار الحوار الاجتماعي، وحصيلة الأداء الحكومي على هذا المستوى، حيث هيمن خطاب التشاؤم، والذي زاد من حدته تعثر جلسات الحوار الاجتماعي.
فقد كان هناك شبه إجماع بين أولئك الفاعلين على أن السنة الماضية كانت بدورها من السنوات العجاف، ولم تحمل أي تباشير هامة للطبقة العاملة بالخصوص، وعموم الأجراء في القطاعين العام والخاص.
وجرى الاتفاق على أن السنوات الخمس الماضية شهدت في مجملها تعطل عجلة الحوار، وتملص الحكومة من التزاماتها اتجاه الأجراء، بل واللجوء، بحسب الفرقاء الاجتماعيين، إلى اتخاذ تدابير مست القدرة الشرائية للمواطنين وولوجهم للخدمات الأساسية من تعليم وصحة وسكن، مما يجعل باب التساؤلات مشرعا بخصوص الدخول الاجتماعي المقبل، لاسيما في ظل تأخر تشكيل حكومة جديدة مع ما لذلك من تبعات على تدبير الشأن العام في مختلف قطاعاته.
وفي هذا الصدد، أوضح أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بالمحمدية سعيد خمري، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن نجاح أي حوار من هذا النوع يرتبط بمدى جدية أطراف الحوار من نقابات وأرباب العمل وحكومات، غير أنه، برأيه، فإن “حكومة السيد عبد الإله ابن كيران السابقة لم تقم بالجهد المطلوب من أجل تفعيل الحوار الاجتماعي، ومن أبرز المؤشرات على ذلك، بتها في عدد من الملفات الاجتماعية دون إشراك النقابات (ملف إصلاح صندوق التقاعد نموذجا)”.
إلا أنه يستدرك أن “الحديث عن مسؤولية الحكومة في تفعيل الحوار الاجتماعي لا يمنع الحديث عن دور النقابات في ذلك، والتي باتت تعاني من نوع من الضعف، تراجعت معه قدراتها التمثيلية والتأطيرية والترافعية، وأيضا قدرتها على مواكبة الحركات الاجتماعية، ما أثر على تدبيرها لعدد من المحطات النضالية المهمة”.
وأشار المتحدث نفسه إلى أن “التمثيليات النقابية مطالبة اليوم بانفتاح أكثر على منظمات المجتمع المدني المعنية، على اعتبار أن هناك العديد من المنظمات المختصة في مجالات دقيقة، يمكن الاستفادة من خبراتها لتقوية أداء النقابات على مستوى مجموعة من الملفات المطروحة على طاولة الحوار”.
وقد شهدت السنة الماضية عدة تحركات نقابية بغرض دفع الحكومة إلى النزول إلى طاولة الحوار، بعد أن جرى تشكيل تنسيق نقابي ضم أكثر المركزيات النقابية تمثيلية على المستوى الوطني، والقيام بوقفات نضالية (مسيرات عمالية، إضرابات وطنية، مذكرات) تعبيرا منها عن “استنكارها للتماطل الحكومي” في حل الملفات الاجتماعية العالقة.
ففي مناسبات عديدة عبرت هذه المركزيات (الاتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الفيدرالية الديمقراطية للشغل، الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والنقابة الوطنية للتعليم العالي) عن أسفها “لعدم جدية الحكومة واستمرارها في التعنت تجاه مطالب الطبقة الشغيلة، وإصرارها على تغييب الحوار والتفاوض الجماعي رغم كل المبادرات الصادقة للحركة النقابية”.
واعتبرت أن تغييب التفاوض الجماعي من طرف الحكومة هو “تعبير موضوعي عن وضع مختل سياسيا ومؤسساتيا”، و”معارض لكل المقتضيات الدستورية التي تنص على الديمقراطية التشاركية، واحترام كافة الحقوق الأولية للإنسان”.
وأبرزت أنه على الرغم من كل محاولات “حمل الحكومة لتنظيم تفاوض جماعي حقيقي، ومسؤول، ومنتج”، وعلى الرغم من “الوعي المتميز” الذي أبانت عنه الحركة النقابية، فإن الحكومة، ظلت “متمسكة ومصرة” على الاستمرار في سياستها.
أما نقابة الاتحاد الوطني للشغل فطالبت في كلمتها الموجهة للطبقة الشغيلة في احتفالات فاتح ماي الماضي بمأسسة الحوار الاجتماعي ووضع أجندة واضحة لأشغاله بعد الاتفاق على منهجيته مع النقابات في استحضار لروح المسؤولية التي تلزم الحكومة والمنظمات النقابية بالحرص على خلق مناخ ايجابي للحوار والتفاعل خدمة للمطالب العادلة للشغيلة.
وبالمقابل عبرت عن تثمينها “للأجواء الإيجابية التي جرى فيها الحوار الاجتماعي في آخر جولة من المفاوضات”، والتي جمعت رئيس الحكومة بأطراف الحوار الاجتماعي في شهر أبريل الماضي، وهي المفاوضات التي لم تحمل أي جديد بالنسبة لباقي المركزيات الأكثر تمثيلية، حيث عبرت في بيان مشترك عن “رفضها للعرض الحكومي الهزيل المقدم”، والذي لم يأخذ في الاعتبار مقترحات الحركة النقابية، محملة الحكومة “المسؤولية الكاملة فيما ستؤول إليه الأوضاع الاجتماعية من ترد واحتقان نتيجة استهتارها بالمطالب العادلة والمشروعة للطبقة العاملة”.
تباين في مواقف الفرقاء الاجتماعيين، لا يمنع من استخلاص جملة من الملاحظات، أجملها الباحث الجامعي والفاعل النقابي محمد القري، في تصريح للوكالة، في أن عجز أطراف الحوار الاجتماعي عن حلحلة وضع تفاوضي مختل، استمر لسنوات، وعن التوصل إلى قاعدة للاتفاق بينها، لا يجد أي مبرر له في ظل ظرف حساس بالنسبة للطبقة العاملة، بوجود عدة ملفات اجتماعية كانت تتطلب حلولا مستعجلة ومتوافقا بشأنها بين جميع الأطراف، وفي مقدمتها القانون التنظيمي لحق الإضراب، وإصلاح صناديق التقاعد.
وأضاف أن “تغييب المقاربة التشاركية من طرف الحكومة، وانفرادها بحل الملفات الاجتماعية، يؤشر على ضعف الجسم النقابي الناتج أساسا عن ضعف معدلات الانخراط في النقابات، وظهور حركات بديلة، فضلا عن اهتمام الحكومة بالتعاطي مع أرباب العمل من خلال الاتحاد العام لمقاولات المغرب، مقابل تهميش آليات التفاوض الثلاثي الأطراف، والسعي إلى كسب ثقة المنظمات الدولية ضدا على مصالح الطبقة الشغيلة بمختلف فئاتها”.
وشدد الباحث الجامعي على أن أهمية الحوار الاجتماعي تتمثل في كونه أداة فضلى لبلورة سياسات اجتماعية توافقية ومربحة لجميع أطراف الحوار، معتبرا أنه من غير المقبول أن تعمد الحكومة إلى تحويل جلسات الحوار إلى لقاءات لعرض مشاريعها الإصلاحية في غياب أي إرادة حقيقية للاستماع إلى النقابات، وهو ما يتنافى ما تنص عليه منظمة العمل الدولية في المعاهدة رقم 98 المتعلقة بالحق في التفاوض والمعاهدة رقم 135 الخاصة بالتفاوض ثلاثي الأطراف.
وكانت منظمة العمل الدولية، من خلال دراسة أعدها في نونبر 2015 المركز الدولي للتدريب التابع لها بطلب من المديرية العامة للتوظيف والشؤون الاجتماعية والإدماج المنبثقة عن المفوضية الأوروبية حول “الحوار الاجتماعي في المغرب وتونس والأردن .. آليات تنظيم الحوار الاجتماعي ووقائعه”، قد قدم ملاحظات لخص فيها مكامن الخلل في إدارة وتدبير الحوار الاجتماعي ومخرجات الحل.