نظم في الرباط في الأيام القليلة الماضية يوم دراسي تواصلي دعت إليه لجنة دعم المهرجانات السينمائية.
وللوهلة الأولى قد يتبادر إلى الدهن ايجابية المبادرة ونجاعتها في زمن أصبح فيه التواصل “براديغم” ينظم مختلف العلاقات الاجتماعية بل أصبح التواصل جزء من البنية الفوقية للمنظومة السائدة (ايديولوجية). والحاصل أن هذا اللقاء جاء ليشكل فصلا جديدا من مسلسل الأزمة التي تعيشها المهرجانات السينمائية منذ أن ابتدع أسلوب اللجنة المستقلة للدعم، وقد أكدت مجريات اليوم الدراسي هذا المنحى بتداول مجموعة من المقترحات السريالية لتزيد من المعطيات المعبرة عن الأزمة الهيكلية التي تعيشها اللجنة، ينضاف كل هذا إلى نوع من الغضب والشعور بالغبن لدى مختلف المهرجانات والتظاهرات السينمائية.
كما نشير في نفس السياق الى مختلف البلاغات الصادرة عن اللجنة والذي حاول أخرها الدفاع عن استقلالية قرارات اللجنة. والحاصل أن الإشكال لا يوجد في مسالة الاستقلالية حيث يعرف الجميع بأنها مجرد شعار تسويقي لا معنى له في خضم تشابك المعطيات المتعلقة بالقطاع السينمائي وتداخل العناصر المحيطة باشتغال اللجنة.
إن المعضلة والباب المسدود الذي وصلت إليه أغلبية المهرجانات السينمائية التي فشلت في خلق عمق جماهيري للسينما في المغرب يتجلى في اللجنة نفسها، أي أن لجنة دعم المهرجانات السينمائية هي جزء من الأزمة وليست جزءا من الحل.
ربما العودة إلى تاريخ تأسيسها قد يفيد في تفسير هذا الزعم القاطع. فتداعيات تأسيس لجنة دعم المهرجانات السينمائية تندرج في سياق مؤسساتي –سياسي هيكلي وظرفي يتعلق بالقطاع السينمائي عامة.
لقد جاء الإعلان عن هذه اللجنة مباشرة بعد وصول الوزير السابق إلى وزارة الاتصال في سياق تطبيق الدستور الجديد الذي وسع من صلاحيات رئيس الحكومة والتي شملت في هذا الصدد القطاع السينمائي أيضا على خلاف التلفزيون ووكالة الأنباء التي ظلت من صلاحيات المجلس الوزاري (وهدا تحول استراتيجي لم ينل حظه من الاهتمام).
وقد دشن الخلفي عهده بمجموعة من اللجان وبمبادرة الكتاب الأبيض حول السينما، مجموعة من المبادرات التي عطلت آنذاك عجلة الإنتاج السينمائي لشهور والتي أبانت عند تطبيقها عن فشلها الذريع، وهي مبادرات تتم عن غياب تصور سياسي متكامل.
فالحزب الذي ينتمي إليه الوزير لم يكن يمتلك أي برنامج خاص بالقطاع إذا استثنينا بعض الشعارات من قبيل الفن النظيف والانتماء الهوياتي الخ…..، وقد جاءت فكرة الإكثار من اللجان في إطار مخطط يسعى لتقليص صلاحيات المركز السينمائي المغربي وفي إطار صراع شد الحبل بين الوزير والمدير السابق للمركز قبل إزاحته في أكتوبر 2014.
إن فكرة لجنة دعم المهرجانات السينمائية جاءت في هذا السياق لغرض في نفس يعقوب. ويعقوب هنا ظرفي (في إطار تقليم أظافر مدير المركز) لفائدة الوزير الذي يعين أعضاء اللجنة. وتاريخي لأن تأسيس لجنة خاصة بالمهرجانات يأتي لتلبية رغبة دفينة لوزارة الاتصال كمؤسسة تسعى أن تعيد المركز السينمائي المغربي إلى مجرد مصلحة تابعة للوزارة .
انه معطى مؤسساتي يتجاوز الأشخاص، فتاريخيا كان دائما هناك مسعى للاستحواذ على المركز السينمائي المغربي الذي يتوفر على إمكانيات أكثر من الوزارة وموظفوه يسافرون إلى المهرجانات السينمائية عبر العالم، مما يحز في نفس بعض اطر وزارة الاتصال (كاتب عام سابق استعمل كل صلاحياته للضغط من اجل السفر إلى مهرجان كان للحضور في السينما ولزيارة احد أقربائه بإحدى المدن المجاورة لكان).
لقد كانت هناك محاولة في عهد الوزير خالد الناصري لتمرير فكرة لجنة لدعم المهرجانات . لكن تم إحباطها في المهد نظرا لفصاحة الوزير وتفهمه، وقد تم تمريرها في 2012 بإيعاز من موظفي الوزارة بدعم من بعض مستشاري الوزير السابق.
وهكذا تم اغراق القطاع السينمائي بعدة لجن تحولت الى مراكز قوى جديدة، فلجنة الدعم تريد أن تتصرف كهيئة مستقلة مما يضع التظاهرات السينمائية في حسابات دقيقة لاحترام هذا الطرف وذاك. فنجد ملصق تظاهرة صغيرة يشير إلى وزارة الاتصال و إلى المركز السينمائي والى لجنة دعم المهرجانات…. ، وأصبح الهاجس هو الجواب على دفتر التحملات اكبر من هاجس إنجاح المهرجانات على أرضية الواقع.
إن الإنقاذ اليوم يمر عبر إجراءات جذرية وذلك مؤسساتيا برد الاعتبار إلى دور المركز السينمائي المغربي، ومده بالإمكانيات اللوجستيكية والبشرية كي يشرف مباشرة على التظاهرات السينمائية (بإبداع أساليب تشاركية جديدة خارجة عن الحسابات السياسية الظرفية). وثانيا بإعادة النظر في فكرة التظاهرات السينمائية وذلك باعتماد مقاييس جديدة أبرزها: المشروعية والجماهيرية، فالمشروعية لا تأتي من الدعم وليس من الضروري أن تستفيد كل التظاهرات السينمائية من الدعم. تم الجماهيرية.
إن العنوان البارز لفشل معظم التظاهرات السينمائية هو عجزها عن خلق جمهور يرافقها ويشكل دعامتها الرئيسة ويساهم في استقلاليتها باقتناء تذاكر لمشاهدة الافلام (المجانية لا تخلق جمهور سينفيلي)، فهناك مهرجانات في مدن كبيرة يمكن أن تختفي دون أن يكون لذلك اثر. ثم ما معنى أن تعجز هذه الطفرة من اللقاءات حول السينما في إنقاذ القاعات السينمائية.