تراجع المجلس العلمي الأعلى عن فتواه الشهيرة المتعلقة بقتل المرتد، وهي الفتوى الواردة في كتاب صادر عن الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء سنة 2012، وقد أحدثت حينها ضجة إعلامية كبيرة وبعض الردود، التي انتقدت كثيرا فتوى المجلس.
وأصدر المجلس العلمي الأعلى وثيقة جديدة اسمها “سبيل العلماء”، وقد تم توزيعها على العلماء بمناسبة انعقاد دورته الاخيرة بمدينة الرباط، وهي الوثيقة التي لم يتم الترويج لها كثيرا في وسائل الاعلام.
وكانت فتوى المجلس العلمي الأعلى حاسمة في قتل المرتد كما جاء ذلك في “فتاوى الهيأة العلمية المكلفة بالافتاء 2004 ـ 2012″، عندما تطرقت إلى مسألة حرية المعتقد والدين: “إن شرع الإسلام يدعو المسلم إلى الحفاظ على معتقَده وتدينه، وإلى التمسك بدين الإسلام وشرعه الرباني الحكيم، ويعتبر كونه مسلما بالأصالة من حيث انتسابه إلى والدين مسلمين أو أب مسلم التزاما تعاقديا واجتماعيا مع الأمة، فلا يسمح له شرع الإسلام بعد ذلك بالخروج عن دينه وتعاقده الاجتماعي، ولا يقبله منه بحال، ويعتبر خروجه منه ارتدادا عن الإسلام وكفرا به، تترتب عليه أحكام شرعية خاصة، ويقتضي دعوته للرجوع إلى دينه والثبات عليه، وإلا حبط عمله الصالح، وخسر الدنيا والآخرة، ووجب إقامة الحد عليه”.
وتضيف فتوى قتل المرتد: (وفي ذلك يقول الله تعالى، محذرا من الارتداد وسوء عاقبة صاحبه في الدنيا والآخرة ﴿ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾ سورة البقرة الآية 217، وقال سبحانه: ﴿ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين، بل الله فاعبدْ وكن من الشاكرين﴾ (الزُّمَر، الآيتان 65 و66). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من بدل دينه فاقتلوه”، وقال: “لا يحِلُّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه، المفارق للجماعة”).
وحسب موقع “إسلام مغربي” فإن المجلس العلمي عدل من موقفه هذا كثيرا إن لم يكن غيره بالكامل كما أورد ذلك في وثيقة “سبيل العلماء”، في نقطة تحت عنوان “قضايا العدل والتضامن والحقوق والحريات في الأمة” (الصفحة 98).
وجاء في وثيقة “سبيل العلماء”: “لقد أثيرت في الإسلام قديما ولا تزال تثار قضية الردة والمرتد، ويبقى الفهم الأصح والأسلم لها المنسجمُ مع روح التشريع ونصوصه ومع السيرة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود بقتل المرتد هو الخائن للجماعة، المفشي لأسرارها والمستقوي عليها بخصومها؛ أي ما يعادل الخيانة العظمى في القوانين الدولية، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه»، المقيد بقوله صلى الله عليه وسلم: «..التارك لدينه المفارق للجماعة»”.
وتضيف الوثيقة أن “ترك جماعة المسلمين لم يكن حينها إلا التحاقا بجماعة المشركين خصومهم وأعدائهم في سياق الحروب الدائرة بينهم. فالردة هنا سياسية وليست فكرية. ولقد تحدث القرآن الكريم عن الردة الفكرية في آيات عديدة ولم يرتب عليها عقوبة دنيوية وإنما جزاء أخرويا كما في قوله تعالى: ﴿ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فقد حبِيطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون﴾ [البقرة: .]215”.
وعلل المجلس العلمي تراجعه عن قتل المرتد بقوله إن “ثمة شواهد في السيرة النبوية؛ منها صلح الحديبية الذي كان من بنوده: “أن من أسلم ثم ارتد إلى قريش لا يطالب به المسلمون، وأن من التحق بالمسلمين من المشركين استردوه. وفي الرجل الأعرابي الذي أسلم ثم طلب إقالته من شهادته فلم يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم معَهُ شيئاً، فخرج من المدينة ولم يلحقه أذى، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم «المدينة كالكير تنفي خبثها وينصعُ طيبها»،بالإضافة إلى حالات أخرى ارتدت على العهد النبوي ولم تُحَدَّ بهذا الحد”.