بلغوات الحدث السينمائي لـ 2017

الأربعاء 3 يناير, 2018 13:39 أحمد بوغابة تحديث : 3 يناير, 2018 13:39
إحاطة -

جرت العادة أن جهات ومؤسسات ومنابر إعلامية كثيرة تلتجئ في نهاية آخر سنة ميلادية لتقييم السنة وتقديم اقتراحات و”تكهنات” للمستقبل، كل طرف ضمن اهتمامه وانشغالاته وتخصصه، وبالتالي من الطبيعي – من جهتي – أن أقف عند إحدى المجالات التي أشتغل فيها كصحافي وناقد وأقصد السينما.

لا أريد أن أكرر نفس “الأسطوانة” السنوية بالاكتفاء بترديد عدد الأفلام المُنتجة في السنة والجوائز التي حصلت عليها ومشاركتها في المهرجانات، ولا كما يحلو للبعض الحديث عن تدهور القاعات السينمائية وهو موضوع أصبح موضة جديدة سهلة بالاكتفاء بالعموميات دون اعتماد على دراسة علمية للظاهرة (لقد ناقشت هذا الموضوع مرارا في بداية الأزمة عند نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي وهو موثق في الأرشيف بالأسود على الأبيض). وقد يتوقف البعض أيضا عند الأسماء الفنية التي رحلت عن عالمنا، أو المداخيل التي أتت بها الإنتاجات الأجنبية.

قد تكون هذه المواضيع كلها مهمة وتستحق تقييما لها والتذكير بها لكن هي نفسها مألوفة ونعيدها سنويا مع تغيير طفيف وكأننا نقوم بعملية “كوبي كولي” (قص / لصق)، إلا أن هذه السنة تميزت بحدث في غاية الأهمية سينمائيا وسياسيا وتربويا وأخلاقيا وهو الذي سأتوقف عنده ما دام يهم مستقبل السينما المغربية وخاصة الشباب المغاربة الذين يسعون إلى هذا الفن الراقي.

إن سنة 2017 التي ودعناها قد نجرها معنا خلال السنة الجديدة الحالية 2018، ببعض أخطائها وعثراتها التي سترافقنا كضحايا لها بسبب سياسة غير نبيلة وسليمة في عهد الوزير السابق في الاتصال، ستكون إسقاطاتها وتأثيرها السلبي على سنة 2018 وخيمة جدا في حالة عدم استئصالها من جذورها لبناء سنة تصحيحية جديدة تقطع مع الماضي المريض إذا توفرت الإرادة الحقيقية للرقي بهذا البلد الذي ننتمي له جميعا.

فيا تُرى ما هو أهم حدث جديد ومهم وغير مألوف عرفته الساحة السينمائية المغربية في النصف الأخير من السنة الماضية وكان جريئا في مضمونه والحسم فيه؟ إنه حدث جد هام لا يمكن التغاضي عنه في سنة 2017، حدث استثنائي وفي غاية الأهمية لأنه استجاب للحظة تاريخية مهمة. ويتجلى هذا الحدث الوطني في وضع حد لاستمرار محمد بلغوات على رأس إدارة المعهد العالي للسمعي البصري والسينما.

فقد كان السيد محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال، في مستوى المسؤولية وواع بالظرف التاريخي الذي يمر منه المغرب، وأبان أيضا على كفاءته واحترافيته بعدم السقوط في إدعاءات محمد بلغوات حيث هذا الأخير كان يستأسد بترويجه بكونه يملك حصانة من اعلى السلطات في البلاد، وأنه مُروض الوزراء ولا يمكن لأحد زعزعته من مكانه، ليتبين بالملموس وعلى أرض الواقع أنه يعيش أوهاما في يقظته التي تبخرت في الامتحان الحقيقي أمام رجل مسؤول يستحق منا الاحترام والتقدير لأن السيد محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال، اعتمد على ملفات عدة ومتنوعة ومن مصادر مختلفة منها من داخل الوزارة نفسها أن المعهد “إسماك” تأسس على باطل وبذلك حسم في الاستغناء عن محمد بلغوات كمُعرقل للتطور والتقدم.

كانت هذه الخطوة الأولى التاريخية والهامة تلتها بتعيين الأستاذ بنعيسى عسلون على رأس المعهد، وهو اختيار موفق ليس لأن الأستاذ عسلون إنسان طيب وخلوق وأمين ومخلص بل أيضا وأساسا لكونه محترف بالمعنى الحقيقي للكلمة وله تجارب سابقة ناجحة سواء في المعهد العالي للإعلام والاتصال الذي مازال يُدرس فيه ومحبوب عند طلبته بحكم مهنيته العالية، ويحتل في ذات الوقت رئاسة كرسي العربي المساري بالمعهد بما لها من رمزية، وأيضا مسؤوليته الإدارية بالإذاعة الوطنية التي تكللت بالنجاح حينها، وهو مثقف من درجة عالية ويدرك جيدا المسؤوليات التي تُناط به حيث يتعامل معها ومع محيطه باحترافية، ويتميز أيضا بقدرته على استيعاب مختلف التناقضات ما دام يعرف معنى الإنصات للآخر والاستفادة منه بسلوك راق لا تشوبه العنترية، وبذلك يكون على نقيض محمد بلغوات الذي يعيش على الطفيليات ويبنى قصور رماله من الكواليس وليس اعتمادا على كفاءته لأن ذلك ظهر للعيان وللجميع، وفاقد الشيء لا يعطيه. ولم يضع محمد بلغوات في حساباته الضيقة أنه يمكن أن يسقط رغم محاولاته يمينا ويسارا ولا داعي لإعادتها هنا إذ يمكن للقارئ مراجعتها في نصوص سابقة بموقع “إحاطة”.

لكن، ليعلم السيد محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال، بأنه لا يكفي إزالة محمد بلغوات من إدارة المعهد فقط، إنه جزء من المشكل وليس الحل الجذري، بل من أجل أن يعطي الوزير المعنى لقراره بكونه يتماشى مع السياسة الجدية للبلاد هو ضرورة استحضار المحاسبة خاصة وأن بين يديه ملفات تثبت خروقات وتلاعبات في مصالح المعهد والطلبة على حد سواء، وبذلك سيلقن درسا للمستقبل، وسيشهد له التاريخ بكونه رجل المرحلة في الوزارة وبذلك يكتمل الشوط الأول.

أما الشوط الثاني في القضية فإننا نقترح على السيد الوزير أن يستمر في مسيرته الإصلاحية الفعالة في المعهد العالي السمعي البصري والسينما باستئصال “إرث” محمد بلغوات في المعهد حتى يكون للإصلاح معنى، إذ لا يكفي عزل شخص واحد لأن الأمر ليس شخصا واحدا بل «هيكلة” التي زرعها بلغوات وكان يدير بها المعهد. وبالتالي الحفاظ على “إرث” بلغوات بالمعهد يعني الاستمرار في نفس النهج والأخطاء وستشل دينامية الأستاذ بنعيسى عسلون وستكبله ولن تساعده على تصحيح الكوارث التي سادت في المعهد وإعطاء روح جديدة له.

لابد، في نظري، من تمكين الأستاذ عسلون من صلاحيات قانونية وإدارية للقطع مع الممارسات السابقة واستئصال الأعشاب السامة تضع “إرث” بلغوات خارج المؤسسة، عندها نضمن للسيد وزير الثقافة والاتصال نتائج إيجابية وملموسة داخل المعهد وإشعاعه خارجيا، وهذا ممكن إذا قام ب”زلزال” حقيقي يشطب الرداءة من داخل المعهد لتمكين الأستاذ عسلون من العمل في ظروف صحية وسليمة، جيدة واحترافية.