بيننا وبينكم السينما

الخميس 28 مايو, 2015 11:18 جمال الخنوسي
إحاطة -

نبيل عيوش الذي أعرف، رجل ذكي جدا، مخرج موهوب، و”بيزنس مان” صنديد قادر على أخذ القرش من فم الأسد. ورث حس التسويق عن والده رجل الاشهار نور الدين عيوش.. فهو قادر أن يبيع السمك في البحر والملح للعطشى دون أدنى عناء عيوش.. فهو قادر أن يبيع السمك في البحر والملح للعطشى دون أدنى عناء.

يذكرني عيوش الصغير برجل الأدب الطاهر بنجلون، له دائما الخطاب المناسب في المكان المناسب: في المغرب، في فرنسا، في فلسطين كما في اسرائيل… Il a toujours quelque chose pour plaire . كما يغير عيوش القبعات والأقنعة حسب الأفلام أيضا: فهو مغربي متمرد على التقاليد والطابوهات في “لحظة ظلام”، ونصير المظلومين والضعفاء في “علي زاوا”، ورجل السلم والسلام والتعايش في “أرضي”…

عيوش الذي أعرف من خلال أفلامه منذ “لحظة ظلام”، والجلسات الصحافية التي جمعتنا، يؤمن أن المجتمع يلزمه صدمة للتغيير. فالعقليات لا تتغير ببطئ أو تدريجيا بل لابد من صعقها لتتخلص من المارد الذي يسكنها. وأظنه قد برهن عن هذا بشكل واضح من خلال فيلمه الأخير “الزين اللي فيك” أو Much Loved.

دعونا نترك الحديث عن نبيل عيوش وفيلمه جانبا، ونتحدث في أمور أخرى أكثر أهمية. فالفيلم “المثير للخجل” يحتاج إلى مجال أكبر وفضاء أرحب يكون فيه الحديث مائة في المائة سينمائيا. ولننتبه إلى أن رد فعل أغلب رواد الشبكات الاجتماعية على المشاهد المنتقاة بعناية والمسربة من الفيلم، مفزعا ويدعو فعلا إلى القلق، حيث دعى البعض إلى منع المخرج المغربي الفرنسي نبيل عيوش من دخول المغرب، وآخرون طالبوا بنزع الجنسية عنه، فيما فتح آخرون صفحات تطالب بمنع الفلم من العرض في القاعات الوطنية، أو جره إلى المحاكم… وغيرها من الخزعبلات المنتشرة هنا وهناك.

هل يستحق فيلم لمخرج “علي زاوا”، أو أي مخرج آخر رد فعل بهذا الحجم؟

هل ننصب المشانق اليوم في الساحات العمومية لنبيل عيوش كما كنا نود جلد نور الدين الخماري وفوزي بنسعيدي ولحسن زينون في وقت سابق؟

الجواب سيكون حتما لا.. لكن موقف غالبية زبناء شبكات التواصل الاجتماعي تعكس نظرة المجتمع المفزعة إلى الفن والإبداع عموما، كما تعكس ضيق صدرنا بالاختلاف وجهلنا بقنوات تصريف هذا الاختلاف.

المحاكمة التي أنشئت لعمل نبيل عيوش الذي لم يعرض بعد، مقلقة جدا أولا، لأنها رد فعل عنيف لا يعترف بحق الآخر في التعبير، وثانيا لأنها رد أخلاقوي على عمل إبداعي صرف مهما كانت قيمته الفنية أو حمولته الصادمة.

في المقابل، لو كنت مكان نبيل عيوش لما انتشيت بال “BUZZZ” الذي خلفه فيلمي أو بمجموع المقالات المتناثرة في ليبيراسيون ولوموند وتيليراما لنقاد وصحافيين En mal d’exotisme ، لهم عقلية استشراقية متلهفة لكل ما هو غرائبي، ولكن سيأخذني الخوف لأن أصداء بعد الصادقين ممن شاهدوا الفيلم في مهرجان كان أو في مقر شركة عليان للإنتاج بالدار البيضاء، لا تبشر بالخير، ليس بمنطق الأخلاق ولكن من حيث قيمتها الفنية والجمالية. لهذا من حقنا أن نتساءل اليوم: لماذا نجحنا على مدى سنوات في اختراق الطابوهات وفشلنا في الارتقاء بمستوانا السينمائي؟

الخوف كل الخوف أنه حينما تغيب السينما تحضر البراغماتية اللعينة، والحسابات الشخصية والمادية. عندما يغيب الابداع تحضر المتاجرة بعورات المجتمع، وتتقلص المسافة بين السينما والبورنوغرافيا.. وعندما تعجز نظرة المخرج وتضعف قدرته على الابهار.. تتحول الكاميرا من عين شاعرة إلى عين داعرة.

إن صعق المجتمعات يؤدي في غالب الاحيان الى رد فعل عكسي حيث الانغلاق أكثر والعنف أكبر. مع ذلك لنساند نبيل عيوش في حقه في التعبير، ونطمئن المتحمسين جدا إلى أن أحسن معروف يمكن أن نسديه لهذا البلد هو أن لا نمنع فيلما (قيل إنه ضعيف حسب رأي الاعلامي والناقد المغربي بلال مريد والناقد المصري سمير فريد) حيث أعطى المنع في تجارب أخرى نتائج عكسية.

لنقلها للمرة الأخيرة: من حق عيوش أن يخرج الفيلم الذي يريد، كما من حق جزء من المغاربة أن يجد نفسه مستهدفا من هذا الفيلم ويرفضه .. لنتناقش.. ونتحاور.. ولنأخذ العبرة من موقعة الصفين حين استعمل معاوية خدعة رفع المصاحف على رؤوس السيوف والرماح ولنقل كما قال حينها: بيننا وبينكم السينما.