سعد الّدين العثماني :أول الإسلاميين العلمانيين!

الجمعة 9 أكتوبر, 2015 10:39 حسن طارق
إحاطة -

في سِلْسِلٓةٍ من المقالات المنشورة مؤخراً ،تحت عنوانٍ مركزيٍ ” الدولة المدنية في ظل مقاصد الشريعة الإسلامية”، يستأنف الدكتور سعد الدين العثماني الأمين العام السّابق للعدالة والتنمية المغربي ،التفكير والتّدَبر في قضايا الدين والسياسة ،مُترافعاً من أجل الدفاع من داخل المرجعية الإسلامية عن “الدّولة المدنية “.
الطبيب النّفساني و القائد السياسي ،يُواصل في الواقع الإشتغال على الأطروحة الرئيسية التي تُهيمن على مُنجزه الفكري و أسئلته البحثية في مؤلفاته السّابقة ،خاصةً منها “في فقه الدين والسياسة “،”تصرفات الرسول بالإمامة”و “الدين والسياسة تمييز لا فصل “.
في هذه السّلسلة ،ينطلق د.العثماني من التّشخيص الذي يُقر بغموض وتَشَوٌش الرؤية بصدد موضوع طبيعة الدّولة داخل الإسلام ،ثم في ما يُشبه إعلاناً للتعاقد مع قراءِ نُصوصه ، يَضعُ لنفسه الإطار المنهجي لمساهمته كمُحاولة في إعادة صياغة الفكر الإسلامي المتعلق بموضوع الدّولة .
هذا الإطار إذا كان من شأنه أن يجعل سقف إنتظارات المُتلقي متواضعاً،فإنه في المقابل يرسم حدوداً واضحةً لتناول الكاتب نفسه للإشكالات الحارقة للموضوع .
ينهضُ تحليل وزير الخارجية السّابق على الحرص على التأصيل الشرعي لقاعدة التمييز الواضح بين أمر الدنيا وأمر الدين،ليرتكز -بمنهجية المماثلة المنطقية- على هذا التمييز بين الديني والدنيوي ،كرافعةٍ مناسبة للدفاع عن التمييز بين الديني والسياسي،إعتماداً على مستنداتٍ تُرجح إندراج السياسة ضمن “عاديات” المجال الدنيوي ،وإنطلاقاً من تعريف علماء الإسلام أنفسهم للسياسة الشرعية ،ومن التمييز بين تصرفات الرسول السياسية عن التشريعية /الدينية.
بعد التأسيس المنهجي لتمثل المجال السياسي كمجالٍ للممارسة المدنية وللمقاصد ،يستعرض الكاتب مستندات إعتبار الدولة في الإسلام دولة مدنية ،إنطلاقاً من كون الدولة أعلى مستويات الإجتماع السياسي .
أولى هذه المستندات كون الكتاب والسنة لم يحددا شكلاً للنظام السياسي في الإسلام،وثانيها كون سمات الدولة المدنية متوفرة في نظرة الإسلام للسلطة ،وثالثها يتعلق بالتمييز بين أمة الدين،حيث تُهيمنُ رابطة الأخوة العقائدية وأمة السياسة حيث تسود رابطة الإنتماء الوطني.
أما المستند الرابع، ضمن نفس الأفق التحليلي ،يتعلق بالتمييز بين المبادئ السياسية في الإسلام وبين أشكال تطبيقاتها عبر التاريخ .
فيما المُستند الخامس، يتعلق بكون القرآن الكريم يعتبر الأمة هي الأصل في التكليف الديني للمؤمنين ،وهو ما يفسر حسب المؤلف عدم ورود الدولة في الكتاب المُنزل لا كمصطلح ولا كمفهوم.
في هذا السياق، لم يكن من المُمكن على المُؤلف أن يقتصد في مسألة النقاش حول الخلافة الإسلامية ،التي اعتبر أنها ليست نظاماً سياسياً محدداً،ولا نموذجاً معيارياً للقياس ،بل مجرد تجربة تاريخية وممارسة بشرية وإنسانية .
الأصل في ذلك،بالنسبة للكاتب هو “حيادية النظام السياسي “الذي يبنيه المسلمون ،باعتباره بناء بشري اجتهادي ،يمكن تملكه من طرف مواطنين غير مسلمين ،كما يمكن اقتسامه كنموذج مع مجتمعات أخرى ،وهو ما يجعل مصطلح “الدولة الاسلامية “مليئاً بالالتباس والغموض ،خاصة عندما يُفهم منه أن الله تعالى قد أمرنا بانشاء هذه الدولة تماماً مثل ما أمرنا بالصلاة والصوم.
قراءة نُصوص د.العثماني ،إذا كانت تؤكد إنخراطه في صف الدفاع على خِيّار التمييز بين الدين والسياسية ،كأطروحة ثالثةٍ تقف على مسافة من أطروحة الاسلام دينٌ ودولة ،ومن أطروحة الفصل بين الدولة والدين،فإنها في المُقابل تنتصرُ منهجياً للتأصيل الإسلامي لفكرة الدولة المدنية بعيداً عن الإستعمال السياسوي والتكتيكي للخطاب حول مدنية الدولة من طرف بعض القوى “الإسلامية ” ،والذي ساد في لحظة مابعد إنفجارات 2011،مُنتجاً في حالات كثيرة مفاهيم هجينة من قبيل الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية.
على المُستوى الفكري والنظري ،فإن مُساهمة د.العثماني، لا تحمل الكثير من الجِدّة، خاصة عندما نستحضر ما كُتب حول “العلمانية الجزئية ” أو “الدين العلماني “، لكن القُبّعة الحركية للكاتب، تمنح لأطروحته أفقاً واسعاً ضمن مُمكنات تجديد الفكر السياسي الإسلامي ،من زاويتي البحث عن المُشترك الإسلامي /العلماني ،و الإشتباك مع أفكار الحداثة السياسية.
والواقع أن د.العثماني، راكم منذ سنواتٍ ريادةً واضحةً في هذا السياق ،فقد صاغ خلال الثمانينيات كتيب /وثيقة حول ” الفقه الدعوي.. مساهمة في التأصيل”التي أسّست لبداية المراجعات الكبرى التي قادت لتغيير الموقف الاسلامي من قضايا الدولة والشرعية ، ثم كتب سنوات بعد ذلك حول ” المُشاركة السياسية في فقه ابن تيمية” دفاعاً على فكرة المُشاركة ،ليُساهم في بداية الألفية في صياغة وثيقة حول ” العدالة والتنمية من الهوية الى التدبير” دفاعاً عن تمييز واضحٍ بين السياسي والدّعوي في العمل الحركي الإسلامي ،وهو اليوم بهذه السلسلة الجديدة من المقالات يضع الرِّجْل الأولى للإسلاميين المغاربة في القارة “الرّجيمة” للعلمانية !