الدين والإحصاء السكاني بالمغرب.. سؤال السياق والغاية

الأثنين 12 أكتوبر, 2015 15:55 غسان الكشوري
إحاطة -

مر المغرب منذ حصوله على الاستقلال سنة 1956، بست عمليات للإحصاء العام للسكنى. وتباعدت الفترات الزمنية بين كل عملية تقريبا بعشر سنوات، باستثناء الذي توسط سنة 1971 و1975 بعد أحداث المسيرة الخضراء. واختلفت فيها النسب الإجمالية للنمو الديمغرافي، بحكم التقدم والتطور الكمي للإنتاج ومعدلات الخصوبة.
ويمكّـن الإحصاء العام من تحديد حجم السكان القانونيين، ومن رصد الخصائص الديمغرافية والمعطيات الأساسية حول البنيات السكانية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. بالإضافة إلى معرفة أشكال التنوع الحاصل لظروف وطرق العيش.
بعد الشروع في عملية الجرد السكاني لسنة 2014، صرح المندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي، أن الإحصاء (الذي كلف حوالي 865 مليون درهم)، يعتبر فرصة « للحصول على معطيات بيئية كمصدر الطاقة المستعملة للطبخ وطريقة التخلص من النفايات المنزلية والمياه المستعملة، ومعطيات حول الرفاه وظروف معيشة السكان.. وأنه يسعى إلى توفير قاعدة معطيات دقيقة لاستثمارها في سياسات عمومية ناجعة». كما اختلف هذا الإحصاء عن سنة 2004؛ إذ تم تضمين جذاذته بمواضيع جديدة تتعلق بالسياح المغاربة والأجانب والمشردين، واستعمال التكنولوجية الحديثة لتوفير معطيات حول الموارد البشرية والأوضاع البيئية.
لكن السؤال الذي يطرح بعد كل هذه السنوات؛ هو لماذا يتم تغييب الشأن الديني من عملية الإحصاء؟ وهل سيحقق غاية إذا تم إدراجه، كما تفعل معظم الاستطلاعات المحلية والعالمية ؟ أليس الاستفسار عن الدين والتدين يشكل محددا لرصد ظروف العيش كذلك ؟ وهل يمكن أن نسأل الشخص مثلا عن فكرة الانتحار أو الهجرة.. ؟ وهل تهتم الدولة بالأرقام فقط ؟ ألم يكن يهمّها مثلا نسبة المعدّدين في الزيجات ؟ وماذا فعلت بالمصادفات والإحالات الدينية التي واجهتها في أجوبة الناس (أنا يهودي، مسيحي..مثلا!) ؟ ألا يعتبر الدين مؤشرا ضمن مؤشر الأرقام ؟ ولماذا أدرجت أسئلة وتراجعت عن أخرى ؟ وهل إغفال الدولة للشأن الديني هو تماهي مقصود بين حرية الاعتقاد والعيش كفرد مستقل عن التصنيفات العرقية أو الدينية ؟ وهل منح الدستور الجديد إمكانية التراجع أو التقدم للبحث في مثل هذا الشأن ؟
يشير القانون الخاص بإحصاء السكان في المملكة المغربية حرفيا أن : ” المعلومات الفردية المدرجة في الأجوبة عن أسئلة الإحصاء والمتصلة بالحياة الشخصية والعائلية وبصفة عامة؛ العمل والسلوك الخاص، لا يجوز تبليغها من طرف المودعة لديهم. ولا يمكن بأي حال من الأحوال استعمال هذه المعلومات لأجل متابعات قضائية أو مراقبة جبائية أو زجر اقتصادي”.
إذن، وانطلاقا من هذا القانون، يمكن مبدئيا إدراج المسألة الدينية في الإحصاء دون أن يكون له تأثير مباشر على المواطن، من الناحية المؤسساتية أو المجتمعية. وبالتالي تستفيد الدولة من المعطيات الجهوية للاختيارات الدينية بالحرية المكفولة في دستورها. لكن، قبل الانتقال إلى إشكاليات الصياغة والتأويل في الدستور المغربي حول المسألة الدينية. يجدر المرور ببعض الأسئلة والتقارير السنوية التي خلصت إليها مراكز البحث المحلية والعالمية، في مؤشرات الشق الديني للأفراد والفئات.
يساهم في هذا المجال، محليا، عدة مراكز للاستطلاع لرصد الحالة الدينية. كالمركز المغربي للدراسات الإستراتيجية والأبحاث، أو المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وعالميا، كمركز بيو للأبحاث في أمريكا. إضافة إلى ما تقوم به بعض المواقع الإعلامية والصحفية، كالذي تضمّنه بارومتر استطلاعي أنجزته مجلة « تيل-كيل » الناطقة بالفرنسية أواخر سنة 2014، بتعاون مع أحد المؤسسات المتخصصة في استطلاعات الرأي. وكشف هذا البارومتر، باعتباره أحدث استطلاع شبه مباشر مع المواطن، في شقه الديني؛ أن 66 بالمائة يعتبرون أنفسهم مسلمين أولا ضمن ترتيب محددات هويتهم. فيما اعتبرت 15 في المائة الدين ثانيا. ليحل عند 8 بالمائة ثالثا ضمن أولوياتهم. أما مركز بيو الأمريكي فخلص في تقريره الأخير إلى أن نسبة 1 بالمائة من المغاربة يتقاسمها غير المنتمين للإسلام.
لكن وبالرغم من إيجابية هذه الاستطلاعات، تبقى الفئوية والحصر السمة الأبرز في ما تقوم به. إذ لا يتسع لها المجال، تقنيا أو فنيا، للإحاطة والتوسيع في البحث. وبالتالي نجد أنفسنا مضطرين إلى توسيع طرق ذلك الاتساق المتحكم في ظروف الاستقصاء والحالة الطبيعية للتغيير، من الناحية العلمية والموضوعية، ومن الناحية الزمنية للمدة التي تفصل بينها.
أما السوسيولوجيا؛ فهي الأخرى ترى صعوبة الإحاطة بأبعاد الحالة الدينية داخل السياق المجتمعي، حسب منظورها، لتعالق « مجال الدين » في « مجال التدين »، ضمن حقل سوسيو-ديني يحتاج لأدوات معرفية رصينة أكثر عمقا. كما أن الدين يحضر كعنصر وظيفي حسب دوركايم (وماكس فيبر إلى حد ما)، أي أن حضوره داخل النسق الاجتماعي فاعل ومؤثر من حيث وظيفته ودوره. وتساهم كذلك محددات الشروط المجتمعية في رصد النمط الديني جماعيا أو فرديا. الشيء الذي يجعل جدلية التأثير تستوجب تضمينه في أي رصد لتحرك ذلك الفرد داخل الجماعة.
في سنة 2008 أصدر ثلاثة باحثين مغاربة كتاب «الإسلام في الحياة اليومية»؛ بحث ميداني في القيم والممارسات الدينية بالمغرب. أسهموا من خلاله في رصد ظاهرة الدين والتدين عن قرب، في الوقت الذي ينذر فيه مثل هاته المقارابات التخصصية. ولأهمية البحث، ارتأى الشأن الديبلوماسي آنذاك ممثلا في السفارة الفرنسية، وبحضور سفراء من الإتحاد الأوروبي أن يستضيف مؤلفيه الثلاثة؛ محمّد العيادي وحسن رشيق ومحمد الطوزي، من أجل عرض بحثهم الميداني القيـّم.
وعلى هذا النحو المؤسساتي، ألا يهم الدولة إذا فرضنا مثلا أنها تتبع خيوط التطرف الديني، تساؤلات مصطفى شقرون حول «المحددات الاجتماعية التي توسع من حقل ممارسة واستهلاك الشباب للمنتوج الديني» أو علائقية أطروحة عبد الصمد الديالمي حول السكن والجنس والإسلام ؟ .. وأسئلة أخرى يطرحها الباحثون في الدراسات الاجتماعية، لتقريب الهوة المعرفية، على الأقل، بين النسق الاجتماعي والنسق الديني.
وكما ينضاف أيضا تأثير المناخ والجغرافيا على المعتقد والدين، حسب ابن خلدون، تغدو معرفة أثر حياتنا العصرية على أنماط التدين أو العكس، حجة لمعرفة التوزيع الديني (الأديان والاعتقاد)، حسب المناطق الجنوبية والشمالية.. والجبلية والصحراوية: الحضرية منها والبدوية. وبناء عليه، لماذا تهتم الدولة بالشأن الأمني والنفسي للفرد وتغفل، بالموازاة، عن معرفة حياته الروحية الطبيعية وأثر ذلك ؟ أم أن لها تصورا «دينيا» ترتضيه لنفسها تجاه المواطن، يمنعها من كشف الغطاء عن الحالة الدينية عموما ؟