وكانت الخطوة الأولى في مكافحة الفساد بالسينما والصورة ..
الأحد 4 نوفمبر, 2018 09:35 أحمد بوغابةأحمد بوغابة – من تونس
تجربة جد مهمة وغنية في ذات الوقت التي عشتها، لمدة أسبوع تقريبا، بتونس من خلال مشاركتي بالملتقى الأول لفيلم مكافحة الفساد كرئيس للجنة التحكيم الخاصة بالأفلام الروائية القصيرة وكذا التحقيقات الاستقصائية، ومتابعتي كضيف شرف للمسابقة الخاصة بالسيناريوهات، وورشة الأطفال على التربية على حقوق الإنسان ومكافحة الفساد.
وما أثارني هو المتابعة المكثفة للجمهور المكون أساسا من الشباب من الجنسين، وقد استقدمت الهيئة المنظمة للمهرجان مجموعة كبيرة من الشباب والشابات من مختلف مدن وجِهات تونس، والتكفل بهم وبهن، حتى لا يقتصر الحضور والمشاركة على من يقطن بالعاصمة فقط، وأتوا أيضا من خارج التراب التونسي.
ملتقى يعلن عن هويته بصراحة، منذ انطلاقه في خطوته الأولى، على أنه تظاهرة نضالية مادامت تقف وراءه هيئة حقوقية، التي تشرف عليه، والمتمثلة في “الهيئة الوطنية التونسية لمكافحة الفساد”، حيث نلاحظ الغياب المطلق من الملصق الرسمي للتظاهرة وباقي نشراتها أي وجود للإشهار والإعلانات التجارية، باستثناء المؤسسة الكورية الجنوبية للتعاون الدولي كداعم أساسي، ومدينة الثقافة التي احتضنت فعاليات الملتقى. وتوجد جهات محلية دعمتها معنويا كوزارة الشؤون الثقافية ونقابة الصحفيين التونسيين. وبالتالي فالتظاهرة اعتمدت على إمكانياتها الذاتية وأطرها المناضلين الملتزمين بالحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية.
شرفٌ لي أن أكون من بين المؤسسين لهذا الملتقى السينمائي مع طاقم يتكون غالبيته من شباب وشابات، وبإدارة فنية يقودها السينمائي التونسي ابراهيم لطيف والمناضل السينمائي أيمن جليلي، رئيس الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة.
أرجعتني هذه التجربة إلى سنوات مضت، سنوات العنفوان، حيث كانت السينما فضاء مثاليا للنضال والالتزام وامتلاك تقنيات الجدل والنقاش والإقناع والاقتناع، ثم حبها – أي السينما – والارتباط بها عشقا أبديا لا يمكن التفريط فيه. وعليه، فالسينما لم تكن عندنا مجرد فرجة سلبية لقتل الوقت بل ثقافة فنية في أرقى صورة.
والجميل أن مختصر الحروف اللاتينية للملتقى Rencontres Internationales du Film Anti-Corruption (RIFAC) (رفاك) يمكن نطقها “رفاق” ككلمة نضالية.
شمل برنامج الملتقى عورضا سينمائية للأفلام الطويلة خارج المسابقة من إيران ومصر وبلغاريا وكوريا الجنوبية وتونس، بينما اقتصرت المسابقة على الأفلام القصيرة من تونس وخارجها، في حين كانت مسابقة التحقيقات الاستقصائية والروبورتاجات مقتصرة على تونس فقط، لأن اللجنة المنظمة لم تتوفر على عدد كاف منها من خارج تونس، في انتظار السنوات المقبلة لمشاركة أوسع.
كل الأفلام المشاركة تحمل النفَس النضالي، سواء بتناولها موضوع الرشوة أو البيئة أو الحكرة أو انعدام العدالة، إلى آخره من هذه الآفات، وكلها تدافع على الإنسان من أجل بيئة سليمة بشكل شمولي، وقد تفاوتت طبعا في مستواها الفني والإبداعي إلا أن الروح الاحتجاجية على الواقع المريض هو الخيط الرابط الذي يجمعها جميعها.
وفي الصباح الموالي للاختتام، كان جميع المشاركين الشباب والشابات سعداء بحصولهم على شهادة المشاركة، والاعتزاز بها، إذ في نظر بعضهم – كما قيل لي من لدنهم – هو بمثابة رسالة تشجيعية للاستمرار في التزامهم في صد الفساد ومناهضته بمختلف أشكاله، أو كما يقول بعض التونسيين “الثورة قامت ضد الفساد فإذا لم تستأصله فإن الفساد سيبلع الثورة”، لذلك فالثورة لم تنته بعد من مهامها في نظرهم وإنما مستمرة بأساليب حضارية مختلفة منها الفنون أيضا. ومن هذا المنطلق، يُعتبر “ملتقى فيلم مكافحة الفساد” جزء من هذا النضال، وأكد عليه الأستاذ شوقي طبيب، رئيس الهيئة التونسية لمكافحة الفساد، في كلمته الافتتاحية بأن على “مثقفينا في مختلف المجالات أن يعلموا بأن تونس تحتاجهم أكثر من أي وقت كان، وكما برهنوا عن حبهم لها أيام الثورة وبعدها….علينا جميعا توحيد جهودنا في وجه آفة تهدد مستقبل البلد وبالتالي النضال بتجريم الفساد بكل أنواعه”.
ذهبت الجائزة الأولى الكبرى في أول دورة لهذا الملتقى لفيلم لبناني “نذير شؤم” من إخراج شابة لم تتجاوز 19 سنة من عمرها وهي لين الطويل. أما جائزة لجنة التحكيم فكانت من نصيب الفيلم البريطاني Short Changer للمخرج Zoe Hutber بينما حصلت تونس على جائزة النقد بفيلم “الرقاص” للمخرج حمدي الجويني. كما نوهت اللجنة أيضا بالفيلم التركي “مسافر” للمخرج الشاب محمد ديان، وكذا فيلم “واحد منا” التونسي للمخرجين يوسف بلهيبة وحكيم جربي.