الوسيط والخطاب

الجمعة 25 يناير, 2019 11:21 يونس مجاهد
إحاطة -

هل يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تلعب دورا في تغيير طبيعة الخطاب بين الناس؟ التساؤل مطروح بقوة نظرا لما تعرفه هذه الوسائط من منحى يتجه باستمرار لتكريس لغة عنيفة، قلما نجدها في الوسائط الأخرى، حيث أصبحت تؤثر بشكل واضح على أسلوب التخاطب والتعبير.
ومن المعلوم أن لوسائط التواصل دورا كبيرا في التأثير على طبيعة الخطاب وعلى المضامين، بصفة عامة، وقد تفوق في ذلك الفيلسوف، مارشال ماكلوهان، الذي أثبت في تحليل متميز، أن للوسائط دورا حاسما في الرسالة التي يتلقاها الجمهور. فالوسيط ليس محايدا أو مجرد تقنية، بل طريقة تأثيره على الحواس، تحدد طبيعة التلقي والخطاب.
ويمكن القول، إن الوسيط الجديد، الذي تطور اليوم، وهو وسائل التواصل الاجتماعي، أثر بشكل واضح على الرسالة، لأنه أتاح الفرصة أولا، لكل الناس، مهما كان مستواهم الفكري، استعمالها، وسمح، ثانيا بتمرير مضامين، أحيانا، من مصادر مجهولة، وغٓلّبٓ لغة الانفعالات السريعة والجمل القصيرة، على شكل انطباعات وشعارات، قد تسودها العاطفة.
وانطلاقا من هذه الاعتبارات، التي ساعدت على تطورها وسائل التواصل الاجتماعي، فإن لغة التخاطب المكتوبة، بل وحتى المرئية والمسموعة، أخذت تتجه نحو الانفعالات وفي بعض الأحيان نحو العنف اللفظي، يصل إلى درجة البذاءة والتهديد والسب والقذف…
ولا يمكن، في مثل هذه الأوضاع، أن ننتظر تصحيح اللغة والخطاب، بشكل عفوي، من طرف مستعملي هذه الوسائل التواصلية، لكن من الضروري أن يبذل مجهود من طرف الصحافة والإعلام، ومن طرف هيئات أخرى، لتغيير الوضع والعمل على أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي، وسيطا للتبادل المثمر والحوار البناء.
غير أن الأخطر من كل هذا، أن تنتقل عدوى وسائل التواصل الاجتماعية، إلى الصحافة والإعلام، الأمر الذي يستدعي تحصين المهنيين، تجاه هذه الموجة التي قد تنحرف بالمهنة عن التزاماتها تجاه المجتمع، فتنساق وراء الانطباعات والانفعالات، وفضول الجمهور، والإثارة الرخيصة…
لذلك، من اللازم أن تقف المهنة، بشكل متواصل ودوري، لتقييم المشهد التواصلي، وتتساءل عن الأدوار الإيجابية التي ينبغي أن تقوم بها، خاصة في مواجهة الممارسات الخاطئة، التي تنتج عن الاستعمال السهل والواسع والمتسرع لوسائل التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي يمكن لهذه الوسائل، كما أثبتت التجارب ذلك، أن تكون عاملا مهما في تطوير حرية التعبير والوصول للمعلومات وتبادل وجهات النظر وتشجيع الحوار الديمقراطي.