“الماضي لا يموت” .. كيف أساء المحامون إلى أنفسهم

الخميس 30 مايو, 2019 15:41 جمال الخنوسي تحديث : 30 مايو, 2019 16:03
إحاطة -

في 1857 كتب كوستاف فلوبير رواية من روائع الأدب الفرنسي والعالمي، ويتعلق بالعمل الشهير الذي اقتبست منه أفلام وإنتاجات درامية “مادام بوفاري”.

في السنة ذاتها، حوكم فلوبير بسبب مضامين الرواية التي تحكي عن امرأة تخون زوجها الطبيب، باعتبارها عملا أدبيا غير إخلاقي يدعو الى الفاحشة والتهتك، لأن الكاتب لم يبد أي إدانة للسلوك السلبي للمرأة الخائنة بل إن القارئ يحس بنوع من التعاطف النسبي معها.

انتهت المحاكمة في آخر المطاف بتبرأة فلوبير “مادام بوفاري”، ما أكسب الرواية شهرة أكبر، وبقيت المحاكمة صفحة سوداء في تاريخ الأدب ودليلا على القمع والرجعية.

اليوم في 2019 خرج محموعة من المحامين بعريضة موجهة إلى رئيس جمعية “هيئات المحامين في المغرب”، بخصوص مسلسل “الماضي لا يموت” لمخرجه هشام الجباري نظرا لأنهم رأوا في شخصيات سلبية داخل العمل الدرامي إساءة لمهنتهم.

وجاء في العريضة أن المسلسل التلفزي الذي يقوم ببطولته رشيد الوالي وأمين الناجي وفاطمة خير وعبد الله ديدان، يدور حول مكتب للمحاماة في مدينة الدار البيضاء، وحول الحياة المهنية، يطرح واقعا غير صحيح للمهنة وللقوانين المنظمة لها.

واعتبرت العريضة، أن المسلسل قدم المحامي لعموم المشاهدين داخل الوطن وخارجه، على أنه يبيع أسرار موكله للخصوم، ويتم الاعتداء عليه داخل مكتبه وينعته بلفظي النصاب والشفار، ويرتكب جرائم القتل، ويعتقل على خلفية ذلك ويتم وضع الأصفاد في يديه واهانته من طرف رجال الشرطة ومدير السجن، والاعتداء عليه من طرف السجناء. بل إن محاميا أخذته الحماسة خلال تصريح صحافي حد القول إن «العمل مس بهيبة المحامي».

ليسمح لي أصحاب البدلة السوداء أن أكبر إساءة يمكن أن تلحقهم هو نشر مثل هذه الخزعبلات التي تدعو إلى الحسرة والكرب أكثر ما تدفع للسخرية والتنكيت. فنحن البلد الوحيد الذي يعتبر محاميا فاسدا في دراما تلفزيونية إساءة لمهنة نبيلة كالمحاماة، وكأن مهنة المحاماة “هينة” إلى حد يمكن أن ينال منها مسلسل رمضاني.

هي نظرة غريبة من الطهرانية الغائبة في أشد اليوتوبيات صرامة، فالمحامون ليسوا ملائكة تمشي على الأرض، في وقت لم تسلم أي مهنة من الفساد والمفسدين، حيث هناك المحامي الفاسد والمعلم الفاسد والصحافي الفاسد … على غرار المهن جميعها. فهل المطلوب من الدراما في هذا البلد السعيد أن يكون فيها “الأشرار” بلا مهنة وبلا هوية أو انتماء؟

صحيح أن معشر السيناريست يرتكبون أخطاء في طريقة عمل الكثير من المهن، مثل الشرطي والصحافي والمحامي… ومرد ذلك إما ضيق الوقت أو قلة الامكانات، او لنقلها صراحة، الكسل وغياب روح الابتكار، ففي الانتاجات الاجنبية المحترمة يتخذ المنتجون مستشارين في مختلف المجالات حسب صنف العمل الدرامي، لكن هذا نقاش آخر.

لأجل كل هذا،

علينا أن نعترف أن الحالة التي بين أيدينا تنتمي الى عصر الظلمات. فالحساسية المفرطة لا تجلب سوى تفاهات التدخل في رمزية الأدوار والمهن وغيرها من التفاصيل.. هي باختصار الدرجة الصفر من النقاش.

رفعت الجلسة.