الزفرات الأخيرة للفقيه الرجعي

الأثنين 21 أكتوبر, 2019 13:32 حنان رحاب
إحاطة -

كنا ننتظر من سي الفقيه أحمد الريسوني أن يلتقط الخطوة الملكية النبيلة بالعفو على ابنة أخيه الزميلة هاجر الريسوني ومن معها، ويفهم عمقها ومغزاها الرفيع جدا. ولكن تبين مرة أخرى أن الرجل لا يأبه لمثل هذه الإشارات الرفيعة، وسارع، عن سبق الإصرار، إلى اقتراف عكس ما تدعوه إليه تلك الخطوة، صراحة وضمنيا في الآن نفسه. فبدلا من صون مكانة المرأة وحمايتها، كما فعل جلالته من خلال عفوه على ابنة أخ الريسوني ومن معها، عمد العالم المقاصدي إلى التبخيس من قدر مغربيات عديدات وعديدات، فقط لأنهن لا يسايرن هواه الذكوري الرجعي. وأطلق العنان للسانه وقلمه والله أعلم ماذا أيضا، وراح يهين كرامة هؤلاء المغربيات وينعتهن بنعوت كان من الواجب مبدئيا أن يتنزه عنها من يدعي العلم ويسمح لنفسه بالتنظير وإطلاق الفتاوي يمينا ويسارا.

يبدو أن طبع الرجل غلب ادعاءاته، ونزع عنه القناع المزيف للعالم الورع والفقيه العاقل الذي كان يتخفى تحته. وراح يمارسه طبعه المقيت، وأطلق لسانه ليعيث في نساء مغربيات بأوصاف قدحية، بل وسمح لنفسه بحشر نفسه في حميمياتهن وأفتي بـ”أن الظاهر من سوء حالهن أنهن لن يجدن إلى الجنس سبيلا”.

إن هذه “الفتوى” الجديدة التي تكرم بها علينا هذا الفقيه تنم عن عدة أمور، يمكن لي إجمالها في مايلي:

– الرجل ومن معه من حاملي الفكر الذكوري الرجعي لا يرون في المرأة المغربية سوى جسدا وفرجا، قد يصلح أو لا يصلح للنكاح، بناء على تلك المعايير التي يضعونها هم، ويفرضونها على كل بنات حواء أينما كن.

– الفقيه ومن يسير على نهجه في تفسير الدين يصرون على حشر أنفسهم في الملابس الداخلية للناس الراشدين، ويمنحون لأنفسهم الحق في تحديد طريقة تصرفهم في أعضائهم الحميمية. ومن تسول لها نفسها الخروج عن الصراط الذي يرسمه الريسوني ومن معه، فهي “خاسرة” و”حالها سيء”، أي قبيحة ولا حظ لها في الجمال كما يحددونه هم، وبالتالي لا حظ لها في ممارسة حياتها الحميمية.

– الريسوني ومن يتبعون خطه السياسي، لا ينظرون بعين الرضا إلى إصرار للمغربي والمغربية على احترام حرياتهم الفردية كراشدين، بل يصرون على أن يظلوا أوصياء عليهم.

– الريسوني، يدرك في قرارة نفسه أن المغاربة يسيرون قدما في طريقهم نحو الحداثة، وهم يدركون أن احترام الحريات الفردية (كل الحريات الفردية) من أركان هذه الحداثة التي ينشدونها. ويعلم سي الفقيه أن الرهان على الطابع المحافظ للمجتمع ليس مربحا على المدى المتوسط. لذلك فالرجل يطلق من غيظه آخر طلقاته بعشوائية، وهو لا يدري أنها سترتد عليه وعلى محيطه.

نعم إن هذا الانزلاق الجديد لمن يدعي الفقه والورع، ليس سوى واحدة من تلك الزفرات الأخيرة له ولمن يسيرون على نهجه.. زفرة متوترة تكشف أن الرجل يدرك جيدا أنه غارق لا محالة.. لا محالة.