قاصر ومقصِّرون!
الجمعة 21 فبراير, 2020 19:51 جمال بودومةمرة أخرى نستيقظ ونكتشف ان البلاد والمؤسسات والعدالة والأمن والحدود… مجرد مزحة، وأن القانون في المغرب “لا يحمي المغفلين” لكنه يحمي “المغوفلين” ويقف دائما في صفهم. إذا كان لديك المال والنفوذ، بإمكانك ان ترتكب ما يحلو لك من جرائم في مملكة الدنمارك، يكفي أن تضع يدك في جيبك أو تركب رقما سحريا في هاتفك، كي تخرج مثل الشعرة من العجين، كل شيء اصبح معروضا في المزاد، يباع ويشترى، بما في ذلك أعراض الناس وكرامة المواطنين وشرف العائلات…
ماذا يعني أن يعتدي مواطن خليجي على قاصر مغربية، ثم يغادر السجن في اتجاه بلده، دون أن يسأله احد في المطار: “فين غادي آسي محمد؟” ألهذه الدرجة اصبح لحم المغربيات رخيصًا؟ أهي بلاد أم ماخور؟
أكاد أتخيل ابتسامة الذئب، بعد ان فر بجلده، وهو يحكي لأصدقائه عن مغامراته المثيرة في مراكش، وكيف استطاع ان “يأكل الحلوى” ويهرب، بعد ان اشترى صمت البعض وتواطؤ البعض الآخر، مشجعا أمثاله من المكبوتين على تجريب حظهم في “البورديل” المغربي، دون خوف من العواقب، مادامت نهاية الفيلم دائما سعيدة، كيفما كانت الجريمة التي يرتكبها “البطل”، في حق بنات وضعهن الحظ العاثر في دولة جعلت من لحمهن الطري تجارة مربحة، في الداخل والخارج.
مهما كانت التبريرات والشروحات والإفادات، فإن الوقائع عنيدة: ثري خليجي يهتك عرض قاصر مغربية، ويخرب مستقبلها، وبدل ان يعاقبه القانون، يمنحه ما يلزم من تسهيلات كي يغادر إلى بلاده، ويفلت من القصاص. ولعل مشكلة الفتاة الحقيقية انها فقيرة في بلاد لا تعنيها كرامة الفقراء. إنها ضحية دولة تتفنن في الإساءة لابنائها، لا هي منحتهم ما يكفي من تعليم وشغل كي يواجهوا صعوبات الحياة، ولا هي صانت كرامتهم وحمتهم من الذئاب البشرية!
من مكنوا المتهم من الفرار، يبررون موقفهم بكونه قدم شهادة طبية تثبت انه مقبل على عملية جراحية في الحادي عشر من الشهر، وأن والدي الضحية تنازلا عن المتابعة بعد ان تلقيا منه أموالا على سبيل التعويض، وأن الفتاة لا تملك وثائق رسمية تثبت عمرها الحقيقي كي تتاكد المحكمة انها فعلا قاصر، وأن السفارة الكويتية قدمت ضمانات لمتابعة مواطنها في حالة سراح، وقرار إغلاق الحدود لم يصل إلى مصالح المطار الا بعد ان اقلعت طائرة المتهم….
العذر احيانا اقبح من الزلة، وهذه الحجج تستدعي فتح تحقيق عاجل من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية، كي ينال المسؤولون عن هذه “الزبلة” جزاءهم. لنفترض ان السفارة الكويتية تدخلت، وان المتهم ابدى حسن النية، وقدم كافة الضمانات كي يتابع في حالة سراح، كيف يعقل ان يفرج عنه في قضية حساسة مثل هاته، دون ان يسحب منه جواز السفر وتغلق في وجهه الحدود؟
أما إذا كان ولدا الضحية تنازلا فعلا عن الدعوى مقابل المال، فان الأمر يستدعي تحريك المتابعة في حقهما بتهمة “الاتجار في البشر”، لان رابطة الدم التي تجمعهما بالضحية لا تسمح لهما ببيع لحمها بهذه الطريقة، والحق المدني لا يسقط في كل الأحوال.
ويبقى السؤال الأهم: كيف يعقل ان تتعامل المحكمة بخفة مع قضية مثل هاته، يعرف الجميع حساسيتها بالنسبة للمجتمع، في ظل وجود سابقة العفو عن دانيال غالفان وما تسبب فيه من “قيامة” لم تهدأ الا بتدخل ملكي؟
في احسن الفروض يتعلق الأمر بخطإ فادح في التقدير والتنسيق بين اجهزة الأمن والقضاء، وفي أسوئها تخفي القضية تواطآت في الكواليس واستعمالًا للمال والنفوذ للتأثير على سير العدالة. في كلا الحالتين لا بد من تحقيق لإجلاء الحقيقة ومعاقبة المتورطين، لان تداعيات القضية لا تمس الفتاة وحدها، بل تلحق اضرارا جسيمة بصورة البلاد، وسمعة العدالة، وشرف المغربيات… كما أنها تعيد إلى الأذهان قضية مغتصب الأطفال دانيال غالفان، الذي تسبب في احتجاجات غير مسبوقة، هزت الشارع المغربي.
خلاصة القول في هذه “القصارة” المراكشية: هناك قاصر معتدى عليها و”مقصر” كويتي افلت من العدالة، و”مقصرين” مغاربة مكنوه من الهروب، لا بد من محاسبتهم!