فاطمة المرنيسي :حياةٌ على أجنحة الحلم
السبت 5 ديسمبر, 2015 06:44 حسن طارقغَيّبَ الموت هذا الأسبوع الباحث فاطمة المرنيسي ،بعد حياةٍ غنية بالإلتزام الثقافي دفاعاً عن التنوير والإجتهاد والعقل ،و بالإنتاج الفكري العميق الذي يُسائل الثرات والمجتمع ،منطلقاً من مثال الحرية وفكرة المساواة .
حياة بالمُفرد وحيواتٍ بصيغة التعدد ،حوّلت فاطمة المرنيسي الى أيقونة حقيقية . أيقونة معرفية في عوالم البحث والكتابة والجامعة ،وأيقونة نضالية تكثف أحلام أجيالٍ مُتعاقبةٍ من النساء في رحلة مُضنيةٍ بحثاً عن الحرية و العدالة.
رحلت الكاتبة والباحثة الإسثتنائية ،بعد أكثر من نصف قرنٍ من الإبداع والبحث ،جعلها تُخلف تراكماً فريداً من الأعمال التي تُفكك بمناهج النقد التاريخي التأويل الذكوري للتراث الإسلامي . سواء وهي تشتغل على [الحريم السياسي]،أو على [الجنس،الايديولوجيا والإسلام ]،أو هي تعيد بعث [سلطانات منسيات]. و تُنقب من جهةٍ أخرى بأدوات علم الإجتماع عن حفريات التحول الثقافي والاقتصادي و المجتمعي الذي تعيشه نساء المغرب . وتستفيد من أليات الانثربولوجيا والرّصد الميداني الدقيق لتقدم صورةً أخرى عن [المغرب محكي عبر نسائه].وتستند على فضائل النقد المزدوج لتتعقب[ شهرزاد ترحل الى الغرب ].أو تكتب في سِجلٍ آخر ،بلغة الآدب والرواية تخيلاتٍ ذاتية حول طفولتها داخل الدروب المُعتقة لمدينة فاس رفقة [نساءٍ على أجنحة الحلم ].
لقد شكلت طوال مسارها في البحث والتأليف ،نموذجاً مناقضاً تماماً للصورة النّمطية حول عُزلة المُثقف . ظلت تحرص على الإشتغال الميداني ،مُنخرطة في دينامية خلاّقة من التّعلم والإنصات . حاضرة في أنشطة الحركات النسائية . مُتنقلة بسلاسةٍ بين كُبريات العواصم والجامعات الدولية والمؤتمرات العالمية ،وبين أرياف وقرى العُمق والهامش المغربي ،في ما يُشبه حواراً مُمتداً وموصولاً مع الشباب و النساء ؛ صُناع حركية الفعل الإجتماعي المُتجدد .
ولعل هذا ما عَمّق من معرفتها النبيهة بجوهر التّحولات التي طالت المُجتمع المغربي ،على مستوى البنيات والذهنيات ،داخل الأسرة و قطاعات الشباب والنساء في المدن والقرى .
وهو ما جعلها من جهةٍ أخرى مثقفةً مُلهمةً للحركة النسائية المغربية ،وإحدى مناراتها الفكرية و المرجعية ،التي واكبت لحظات تأسيسها وتحولاتها الكبرى في التأطير والتعبئة والترافع، وبناء المطالب والقضايا.
آمنت الرّاحلة ، بقوةٍ بالمعرفة كجُهدٍ جماعي ،مبنيٍ على التّواضع والتّقاسم والتّكامل ،لذلك كثيراً ما انخرطت في ورشاتٍ جماعيةٍ للكتابة والتأليف ولإنتاج الإشكاليات البحثية والمسالك الجديدة للتفكير ،وكثيرا ما رافقت بكثير من المودة والتحريض الباحثين الشباب في مشاريعهم في البحث والكتابة .
طرح المُنجز الفكري للرّاحلة صعوباتٍ جَمةٍ على مستوى التّصنيف .لقد كتبت في قضايا المرأة ،الهوية ، ،الديمقراطية ،الإسلام،و الحداثة . مُستندة على أوليات التحليل السوسيولوجي ،و قواعد القراءة التاريخية ،و أصول التأمل في الايديولوجيات وتحولات الأفكار .
والواقع أن الأفق الإشكالي لمُنجزها المتعدد في المُقاربات والغني في المرجعيات ، يجعل من الصعب حصر إشتغالها داخل حقل علم الإجتماع بحدوده المعرفية التقليدية،خاصةً وهي تنفتح على أصول البحث التاريخي أو التنظير الفكري في عدد من أعمالها ،أو وهي تستفيذ من مناهج الأنثربولوجيا عبر إعادة التفكير في المجتمع المغرب إنطلاقاً من محكيات نسائه، أو من خلال القرب الميداني الذي دبّرته مع مجالات البحث وقضاياه.
إن أصالة مشروعها الفكري ،يرتبط بالأساس بعدم رهن أبحاثها الأولى بمجرد نوعٍ من إعادة إنتاج النظرة الإستشراقية التبسيطية لموقع المرأة داخل المجتمعات العربية الإسلامية ،حيث المُحدد الوحيد للشرط النسائي يتجلى في الإسلام !.
وهو ما مكنها من ممارسة ما كان يسميه الرّاحل عبد الكبير الخطيبي بالنقد المزدوج ،مُتخلصةً من عُقدة النظر الى الآخر،في العلاقة مع الغرب ،وخاصةً من خلال رصدها لموقع المرأة داخل المُجتمعات الغربية وتمثلاته الايديولوجية ،بنظرةٍ تفكيكية صارمةٍ ، بعيداً عن حالة الإنبهار الإنطباعي التي كثيراً ما حَدّت من أفق بعض الكتابات والأبحاث المُشتغلة على القضية النسائية .
الإسهام الثقافي والفكري المهم للاستاذة فاطمة المرنيسي ،لم يمنع من أن يجعلها تبصمُ على مساهمةٍ بيداغوجية وتربوية غنية ،كإحدى رائدات الدرس السوسيولوجي داخل كليات الآداب والعلوم الإنسانية ،وهو الدرس الذي تميز عند الرّاحلة بحيوية التفاعل مع أجيالٍ من الطلاب الذين رافقتهم لعوالم جديدة وفتحت مداركهم على أسئلة مُتجددة .