دفاعا عن الترحال السينمائي

الأثنين 28 ديسمبر, 2015 16:22 عبد الاله الجوهري تحديث : 28 ديسمبر, 2015 16:23
إحاطة -

جمال الخنوسي من أعز الأصدقاء و أكثرهم احتراما و مصداقية في الوسط الصحافي و الفني المغربي ، بالنظر لأخلاقه السامية و مهنيته العالية ، صحفي غالبا ما أتفق معه في الآراء والمواقف لحد التماهي حول مجموع القضايا التي يتناولها بالتحليل و المناقشة في مقالاته الجادة الرصينة ، مواضيع الفن و السينما و مآسي الساحة الإبداعية المغربية العديدة المتعددة ، لكن ، هذه المرة و أنا اقرأ ما خطته يداه في مقالة حول مسألة رحيل أو بقاء المهرجان الوطني السينمائي بمدينة طنجة ، أجدني مضطرا لإبداء رأي مخالف جملة و تفصيلا لما دافع عنه و بسطه أمام قراء الجريدة الغراء ” الأحداث المغربية “، رأي لا يفسد للود قضية ( لأنه مجرد رأي ) مادام يتوخى تنوير الرأي العام السينمائي و فتح نقاش مسؤول وجاد حول تظاهرة سينمائية مغربية كبيرة و هامة …
طنجة من أهم المدن المغربية و أكثرها أحقية في مسألة احتضان الأنشطة الثقافية بالنظر لتاريخها و مكانتها الإبداعية ، مكانة تكرست من خلال عشرات الفعاليات ، نظمت و لازالت تنظم بكل نجاح و مهنية ، لكن ذلك لا يشفع لها بالتفرد و الإستحواذ على نشاط من المفروض أنه يهم مجمل المدن المغربية ، ما دام مهرجان ، و كما يظهر من اسمه ، وطني ، مهرجان يهم كل المغاربة و يسعد كل المدن المغربية أن تحتضنه و لو لمرة واحدة في تاريخها ، احتضان حرمها منه قرار شخصي للمدير العام للمركز السينمائي المغربي السابق السيد نوالدين الصايل ، قرار لم تستشر فيه الغرف المهنية و لا فتح من اجله نقاش في الأوساط النقدية و الصحفية ، قرار فوقي مجحف لم يستحضر نجاحات الدورات السابقة التي نظمت في مدن الرباط و الدارالبيضاء و وجدة ومكناس و مراكش ..
قد يقول قائل ، أن الاستقرار يخدم هذه التظاهرة الهامة و يعطيها إشعاعا اكبر و احترافية أوضح ، لكنه قول يحتاج لتمحيص و دقة في البحث و التعبير و التحليل، لأنه لو كان الأمر كذلك ، لتركنا المهرجان يستقر في مراكش أو الرباط أو مكناس ، خلال سنوات ما قبل الإستقرار النهائي بطنجة ، مدن كانت جد موفقة في تنظيمها لهده الفعالية لكن لم تجد إبنا من أبنائها يدافع عنها مثلما دافع الصايل عن مدينته الغالية ..
و رغم الهدية التي قدمها الصايل لمدينة البوغاز ، فإن منتخبي المدينة لم يستغلوا تواجد المهرجان بمدينتهم و لم يعطوه حقه من الاهتمام و الدعم ، وحده عشق الصايل لمدينته و إصراره على التثبيت و من تم البحث عن الموارد ، هو ما جعل عروس الشمال تستمر في الإحتضان رغم الإكراهات الثقيلة ، إضافة إلى أن الفضاء ( سينما روكسي ) الذي يحتضن هذا الفعل السينمائي لم يعد صالحا البتة في المرحلة الراهنة ، بالنظر لصغر حجم القاعة المحتضنة للأنشطة ، ( عدد المقاعد جد قليل و ركحها لا يسمح بتحرك المنشطين و فرق الأفلام فوقها ) ، دون نسيان الاشارة لوجودها في شارع ضيق يخنق حركة المرور و يؤثر على انسيابية تحرك الضيوف ، خاصة في حفلي الافتتاح و الاختتام ، واقع يفضي بنا إلى تصحيح الرأي الذي يرى و يروج ، أن لا مدينة مغربية تتوفر على ما تتوفر عليه مدينة طنجة من البنيات الحاضنة للأنشطة السينمائية ، فالواقع يؤكد على أن هناك حواضر مغربية تتوفر على البنيات الضرورية ، بعضها أفضل من طنجة ، حيث وجود قاعات للعرض و مركبات ثقافية و فنادق لائقة متقاربة ، كفاس و أكادير و ورزازات ، تبقى فقط ، مسألة استعداد هذه المدن و رغبة مسؤوليها الصادقة و جمهورها الواسع في استضافة عرس الفيلم المغربي و جموع المنتصرين للفن السابع و تقديم دفتر تحملات أفضل مما هو موجود لحد الساعة في الساحة ، لان وجود إرادة حقيقية للإستضافة ، ستجعلنا نصفق و نقول بالفم المليان : نعم للمساواة في الإستفادة من الفن و السينما ، نعم للترحال السينمائي ( الذي لا علاقة له بالترحال السياسي الذي يبقى شعاره الإتجار في الأفكار و المبادئ و المسؤوليات ..) ، نعم لحق ساكنة الحواضر المغربية المختلفة في الفرح و معانقة نور الشاشات الكبيرة ، أما الابتعاد عن جادة الحق و وصم التنقل باللامهنية ففيه إجحاف للحقيقة و حجر على أصحاب الرأي المخالف ( رأي عبرت عنه أغلب الغرف المهنية المغربية و الجمعيات السينمائية التي تمت استشارتها في الأمر من طرف المدير العام الجديد للمركز السينمائي المغربي السيد محمد صارم الحق الفاسي من خلال مراسلات ادارية واضحة و مسؤولة بعيدة عن التجييش و استخدام سياسة الجزرة و العصا ) ..
المهرجان الوطني للسينما يجب أن يكون في مصلحة السينما المغربية و كفى ، سواء أنظم في طنجة أو الكويرة أو بوعرفة ، و من حق ساكنة كل المدن أن تستمتع بالعروض الفيلمية و أن تعانق صناع الصورة المغربية ، و تصنع و إياهم لحظات البهاء الفني السنوي ، خاصة و أن هناك مدن لا تتوفر على حظ وجود مهرجانات حقيقية فوق أراضيها ، بينما العالية تحتضن أكثر من مهرجان ، منها مهرجان الفيلم المتوسطي القصير و مهرجانات أخرى تشيع الفرحة في نفوس القاطنين بها و تجعلهم دائما في قلب الحدث السينمائي العالمي و المغربي.
حبي كبير لصديقي جمال الخنوسي ، بل حبي لكل من يفتح النقاشات الجادة الهادفة البعيدة عن الخلفيات العدوانية الفجة ، لكن حبي اكبر لسينمانا الوطنية و لمهرجانها السينمائي و لجموع مواطنينا سواء في المدن الكبيرة أو المداشر و القرى الصغيرة ..

ملاحظة لها علاقة بما سبق : لو تمت استشارتي ، لفضلت أن يظل المهرجان بطنجة لإعتبارات شخصية ذاتية ، لكن الحق يعلى و لا يعلى عليه ، حق باقي المدن المغربية في الاحتفال والإحتفاء السينمائي ، من هنا يأتي دفاعي المستميت عن الترحال السينمائي بمفهومه الإيجابي و أشياء سينمائية أخرى قد أتناولها في وقفات قادمة ..