الحرب الأوكرانية و السلام الصعْـب…
الأحد 10 يوليو, 2022 10:39 عبد الله بوصوفتزداد المسافة بُعدا عن الحديث عن السلام ووقف القتال في أوكرانيا، كلما استمرت الحرب التي اندلعت منذ أربعة شهور أي منذ 24 فبراير 2022.. فلم نعد نسمع بالمفاوضات التي بدأت على الحدود الأوكرانية/البيلاروسية ثم انتقلت إلى أنقرة و عواصم أوروبية أخرى.. ولم نعد نسمع عن اللاجئين الاوكرانيين وعن مصيرهم ولم تُنصب لهم مخيمات على الحدود أو مستشفيات متنقلة.. مثل ما وقع في أحداث مماثلة كسوريا والعراق مثلا…
لم نعد نسمع عن مجازر التطهير العرقي والمقابر الجماعية أو هدم البيوت على رؤوس ساكنيها.. لم نعد نرى ” فلودومير زيلانسكي ” الرئيس الاوكراني بقميصه الصيفي العسكري يتجول في شوارع كييف.. لم نعد نسمع كلمة السلام وكأنه سراب يتراءى للعطشان في يوم صيفي حار.. السلام الذي كان الجميع يحلم به منذ الساعات الأولى وامتد إلى أيـــام ثم إلى شهـــور (4 شهور لحد الآن).. هاهي الكواليس تتحدث عن سنوات قادمة…
فقد عرف العالم خلال هذه الشهور الأربعة العديد من الأحداث الخطيرة المتسارعة والمتنوعة بين التهديد بالمجاعات أو قلة الحبوب على اعتبار أن الحرب تمنع البواخر من نقل الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية.. والتهديد بارتفاع أسعار الطاقة والكهرباء بأسعار غير مسبوقة باعتبار روسيا هي المزود الرئيسي لأوروبا بالغاز الطبيعي والبترول و العديد من المواد الأولية..
لقد حلت لغة الردع والردع المضاد محل الحديث عن السلام و وقف اطلاق النار و الممرات الإنسانية… وطغت على لغة السرد لغة العقوبات الاقتصادية و المالية و استعراض بيانات المساندة السياسية والمعونات العسكرية.. من هذا الجانب أو ذاك.. واشتعلت الحرب في ساحات الإعلام و الرياضة و على موائد الأسر بارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية و إرتفاع أسعار مواد الطاقة…كنتيجة لتغييب لغة السلام و المفاوضات و تغلييب لغة العقوبات الاقتصادية و المالية…
فهل ما يجري الآن من عقد إجتماعات حضورية أو عن بعد و استغلال ذلك من أجل بعث رسائل سياسية الطرف الآخر… هو عودة لأساليب الحرب الباردة و تـــرجع بالعالم إلى مرحلة ما قبل سقوط حائط برلين سنة1989.. أم هي ترتيبات جديدة لنظام عالمي جديد و بثنائية قطبية جديدة مع بعض التعديلات في التكتيكات على مستوى الشعارات السياسية و الأيديولوجية ..؟
فالعقوبات المالية و الاقتصادية لدول الغرب ضد روسيا لم تَفِ بغرضها، أي الضغط على روسيا من خلال رفع كـُلفتها الاقتصادية و المالية و هو ما يؤدي الى رفع الـكُلفة الاجتماعية.. قــد تـــدفع إلى الاحتجاج في شوارع موسكو والإطاحة بنظام بوتين مثلا.. إذ سرعان ما أعلنت موسكو عن قبولها الأداء فقط بعملها الوطنية “الروبل” مقابل الغاز الطبيعي و البترول..
وهو ما خلق نوع من الردع المضاد ووفـــر أوكسجين اقتصادي لروسيا.. لكن هذا لا يعني أن تلك العقوبات لم تضر بالاقتصاد أو بالمواطن الروسي.. كما انها لا تعني عدم مساهمتها في تخفيف أضرار الحرب على أوكرانيا..
الإجماع الأوروبي ودول الغرب وحلف الناتو على إدانة الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية، لم يكن كافيا لحشد إدانة عالمية داخل أروقة مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة إذ امتنعت عن التصويت العديد من الدول وخاصة من الدول الأفريقية حوالي 35 دولة.. أضف توفر روسيا عن حق الفيتو مما يحول دون إصدار أي قرار إدانة من طرف مجلس الأمن الدولي ضدها.. لكن هذا لا يدخل في خانة الفشل السياسي بل شاهدنا ارتفاع أصوات مطالبة بضم أوكرانيا لدول الإتحاد الأوروبي، ورفع نسبة الدعم المالي والعسكري.. وضم السويد وفيلانديا إلى حلف الناتو العسكري..
فمن تصريحات دافوس الاقتصادي بسويسرا إلى المنتدى العالمي لسان ييترسبورغ… ومن بيانات بروكسيل وواشنطن ولندن وروما وبرلين وباريس الى بكين ونيودلهي وبودابست…
الآلة الديبلوماسية تتحرك بشكل رهيب و متسارع ليس لبناء السلام و لكن لبناء أو تدعيم تحالفات سياسية و إقتصادية و عسكرية قديمة/ جديدة.. إذ عرف شهر يونيو الحالي وحده عقد إجتماعات بدلالات سياسية لــدول البريكس الخمسة اي البرازيل والصين وروسيا والهند وجنوب افريقيا.. وهو تحالف نشأ مند 2009 بالصين لكن أهمية انعقاده أثناء الحرب على أوكرانيا تجعل منه حدثا سياسيا و عسكريا أكثر منه شئ آخر… يقابله انعقاد اجتماعات مجموعة دول الإتحاد الأوروبي و مجموعة G7 الاقتصادية بألمانيا و الناتو بمدريد في اخر شهر يونيو …
وهو ما يعني رفع وثيرة الإشتغال على ترتيبات قطب مقابل قطب آخر.. إذ يُشَـبه العديد من المراقبين مجموعة البريكست بمجموعة G7 الاقتصادية.. حيث تضم أكبر الدول كثافة للسكان أي الصين و الهند و البرازيل و روسيا و جنوب أفريقيا ( 40في المائة من سكان العالم ) وهو ما يعني سوقا استهلاكيا كبيرا، بالإضافة إلى توفر المجموعة على العديد من نقط القوة كمصادر الطاقة و التكنولوجيا و المواد الأولية و اليد العاملة.. و أن عضويْن منها أي الصين و روسيا عضويْن دائميْـن في مجلس الأمن الدولي، كما أن توفرها على بنك للتنمية ( يقابل صندوق النقد الدولي ) سيمهد الطريق لانظمام حلفاء كلاسيكيين كالجزائر وكزخستان و فنزويلا …وهو ما يعني المزيد من مصادر الطاقة و دول اخرى من أفريقية و امريكا اللاتينيه… وهو ما سيشكل بالفعل قوة اقتصادية و تحالف سياسي وعسكرية فاعل على الساحة الدولية…إذ شدد بيانه الختامي إلى احترام الوحدة الترابية لكل الدول في إشارة مُضمرة لملف التايوان…
الآلة العسكرية مستمرة في رفع عدد القتلى و الجرحى والتدمير و اللاجئين، و آلـية العقوبات المالية و الاقتصادية مستمرة في الرفع من أزمات اجتماعية و اقتصادية عالمية كالحبوب والطاقة… والآلة السياسية والديبلوماسية مستمرة في الرفع من عدد التحالفات وعدد الحلفاء و الردع و الردع المضاد.. أمام مشهد يجهل الكثير منا مصيره و مداه بين حرب عالمية مدمرة وبين وضع حرب عالمية بالوكالة وسلام مفقود… لكن يجب انتظار مخرجات اجتماع G20 الذي سينعقد في شهر نوفمبر القادم بأندونيسيا حيث سيجتمع كل من أعضاء البريكس و الناتو وG7 على طاولة واحدة… فهل ستساهم المدة الفاصلة في نسج خيوط السلام الصعب…؟