وعود “بيجيدي” الانتخابية… تَبين الرشد من الغيّ
الجمعة 26 فبراير, 2016 11:38 إحسان الحافظي تحديث : 26 فبراير, 2016 11:56من حسنات الكتابة أنها اغتيال للنسيان، فهي تسجل للتاريخ كل الوعود والمواقف العهود التي يقطعها السياسيون أمام الناس. ففي حمأة الحملة الانتخابية تعهد حزب العدالة والتنمية أمام الناخبين بخمسة اختيارات حددت معالم برنامجه الانتخابي. مواصلة بناء دولة المؤسسات ومكافحة الفساد، وبناء اقتصاد وطني تنافسي ومنتج، وبناء مجتمع متماسك، وإحياء وتجديد نظام القيم المغربية ثم صيانة السيادة وتعزيز الريادة الخارجية للمغرب. هذه الاختيارات التي صوت على أساسها الناخبون على مرشحي “بيجيدي” هي وعود تنفيذها من صفات المؤمن لأنه “إذا عاهد وفى”..
قبل الانتخابات التشريعية الماضية، وعد بنكيران بمواصلة بناء دولة المؤسسات والديمقراطية ومكافحة الفساد، وبعد الانتخابات رفع شعار عفا الله عما سلف بديلا عن محاربة الفساد والمفسدين، بل فتح لهم التوبة لكل المفسدين الذين كانوا في وضعية مخالفة لقوانين الصرف، ومنحهم صك الغفران (المساهمة الإبرائية) نظير تحويل أموالهم إلى داخل المغرب، وبذلك يكون رئيس الحكومة قد استعاض عن محاربة الفساد بتكريس سياسة الإفلات من العقاب، رغم أن كثيرا من التقارير الدولية تشير إلى أن غياب المساءلة من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تفشي الرشوة والفساد في بلادنا، ما يجعل المغرب في الرتبة 88 في مؤشر استفحال الرشوة متأخرا بذلك عن 15 دولة إفريقية تحسن أداؤها في مجال مكافحة الرشوة.
ولأن الديمقراطية تقاس باحترام الحريات الفردية والجماعية، فإن العنف الذي جوبهت به كثير من الحركات الاحتجاجية، منذ تولي العدالة والتنمية رئاسة الحكومة، يكشف أن حجم التراجعات في مجال حقوق الإنسان مقلق. أما في مجال حرية الإعلام فقد أفاد تقرير لمنظمة “فريدوم هاوس”، صدر بعد سنة من تولي “بيجيدي” الحكومة، أن المغرب سجل أسوأ ترتيب له منذ 15 سنة محتلا الرتبة 153 عالميا.
من بين الوعود التي قطعها حزب رئيس الحكومة أمام الناخبين، “بناء اقتصاد وطني قوي وتنافسي ومنتج للعدالة الاجتماعية”، ولأجل تحقيق هذا المطلب تعهد الحزب بتحقيق معدل نمو يفوق 7 في المائة، إلا أن الممارسة أثبتت أن الوصفة الوحيدة التي نجح في تحقيقها رئيس الحكومة هو ضرب القدرة الشرائية للمواطنين، وتوسيع الفوارق الاجتماعية بسبب حرصه المفرط على حفظ التوازنات الماكرواقتصادية، بينما لم تراوح معدلات التنمية طيلة الولاية الحكومية سقف 4 في المائة، وهو رقم مشكوك في صحته بشهادة المندوبية السامية للتخطيط.
في التعهد ببناء متجمع متضامن ومتماسك، برزت في الفترة الأخيرة حالة انقسام مجتمعي غير مسبوق، لم تنحصر في الخلافات السياسية التي نزلت إلى الدرك الأسفل جراء الخطاب “البذيء” الذي غزا الحقل السياسي، بل طالت المجتمع برمته بسبب بعض المواقف التحريضية للذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية (حركة التوحيد والإصلاح)، حيال قضايا الإرث والمناصفة ومراجعة المقررات الدينية في قطاع التعليم، بل وصل الأمر إلى التدخل في مواقف سيادية للدولة، كما حدث مع دعوة الملك الرئيس المصري لزيارة المغرب، إذ أعلنت قيادات الحركة رفض الزيارة، في موقف ينم عن ولاء للإخوان أكثر منه لمصالح الوطن.
لا شي تحقق إذن من الوعود الانتخابية التي قطعها “بيجيدي” أمام المغاربة، وبعد أربع سنوات من تدبير الشأن العام تبين الرشد من الغيّ. ولم تبق من الوعود الانتخابية إلا آية من القرآن ختم بها الحزب برنامجه الانتخابي، تقول “إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت”. تعثر الإصلاح ولم يتبق لنا منه إلا متم الآية “ويا قوم لاَ يَجْرمَنَّكُمْ شِقَاقِي..”، والشقاق هو العداوة، لا قدر الله.