بنكيران .. الرجل الذي يهمس في أذن الصحافيين

الأثنين 29 فبراير, 2016 11:57 جمال الخنوسي تحديث : 29 فبراير, 2016 14:44
إحاطة -

اجتمع رئيس الحكومة، عبد الاله بنكيران، يوم الأحد، مع صحافيين يعدون على رؤوس الأصابع، في جلسة قيل إن الهدف منها إطلاع الرأي العام عن حقيقة مادار بينه وبين الأساتدة المتدربين خلال اللقاء الأخير.
غير أن حديث رئيس الحكومة إلى صحافيين اصطفاهم مصطفى الخلفي، وزير الاتصال، ليسمعوا حصريا كلام رئيس الحكومة أمر غير سوي بالمرة، وفيه إقصاء واحتقار لشريحة واسعة ليس من الصحافيين فحسب، بل لجزء واسع من المغاربة الذين يعتبرون قراء أو مشاهدي منابر لم ينعم عليها الرئيس برضاه.
إن التواصل مع الإعلام الذي قام به بنكيران بصفته رئيس الحكومة يدخل في إطار الخدمة العمومية، وكان لزاما عليه عقد ندوة صحافية مفتوحة أو الذهاب إلى التلفزيون العمومي ليخاطب المغاربة كما فعل في مناسبات سابقة، غير أن سلوك رئيس الحكومة في حد ذاته رسالة مشفرة تعني أولا أن قضية الأساتذة المتدربين هامشية وفئوية وليست ذات قيمة كبيرة، وثانيا أن الإعلام العمومي طرف سياسي يحارب ويشوش إلى جانب التماسيح والعفاريت على أداء الحكومة.
غير أن واقع الأمر مختلف تماما: فقضية الأساتذة المتدربين ربما بدأت فئوية تهم شريحة معينة لكنها أصبحت اليوم قضية وطنية (ذات بعد سياسي وحقوقي وقانوني بدليل الحشود التي تخرج للاحتجاج في الشارع) بسبب التعامل السياسوي معها و “فرشخة” المحتجين في الشارع من أبناء هذا الشعب.
من ناحية أخرى لجوء رئيس الحكومة إلى التلفزيون العمومي للحديث عن قضايا وطنية، أمر يضمنه القانون. ودفاتر تحملات التلفزيون العمومي واضحة في هذا الباب، إذ لرئيس الحكومة الحق في التوجه الى التلفزيون كلما كان الموضوع ذو راهنية ويتحدث بصفته الحكومية لا الحزبية. أما لقاء زمرة من الصحافيين وتوجيه سهام النقد الى دوزيم في اليوم نفسه، فيلم رديء يحاول الترويج لمقولة « باغين نخدموا وما خلاوناش » التي أكل عليها الدهر وشرب.
فالتواصل يجب أن يكون عاما ومفتوحا على الإعلام لأن رئيس الحكومة لا يخاطب المغاربة حسب قربهم أو بعدهم عنه أو حسب مدى الحميمية التي يقتسمها مع صحافيين لكنه يتحدث إلى المغاربة قاطبة وليس جزءا منهم.
من الطبيعي أن يكون لرئيس الحكومة علاقة طيبة أو علاقة ثقة مع بعض الصحافيين ربما نابعة من مهنيتهم و صدقهم، فيكون لهم بالتالي أولوية في الحصول على بعض « التسريبات » دون غيرهم. لكن عندما يتعلق الأمر بقضية وطنية تهم أبناءنا وأساتذة الغد، فإن الأمر لا يقبل التفضيل أو الهمس في أذن بعض الصحافيين.
لقد اعتدنا على بنكيران كرئيس حكومة مشاكس يكسر قواعد اللعبة، وكنا نأخذ الأمور بكثير من الدعابة ونفسرها بالعفوية التي يتمتع بها الرجل، لكن السلوكات المرتبطة بلب وظيفة رئيس، فهي أمور فيها مفسدة وليس كسرا للقواعد.
في الديمقراطيات التي سبقتنا بملايين السنوات الضوئية لا يمكن لديفيد كامرون، رئيس وزراء المملكة المتحدة أن يمارس مهامه في مكان غير « تان داون ستريت » والأمر نفسه لمانويل فالس وما شابه. ولم نعرف عنهم قط أنهم يمارسون مهامهم الحكومية ويخاطبون الشعب بخصوص قضايا الوطن مع بعض الصحافة في صالون البيت بين غرفة النوم وحمام النظافة. عندنا فقط يلتقي رئيس الحكومة مع مجموعة من المؤثرين في الويب المغربي زمن الانتخابات حول طبق « بطاطا فلايك »، واليوم يلتقي مع بعض الصحافيين حول بعض حبات « الغريبة » في صالون بسدادر الخشب وطلامط الموبرة .. كل هذا رمزية لم تعد مستساغة اليوم حيث المطلوب بإلحاح تحقيق النتائج لا الإشارات، وحيث العبرة بالخواتم وليس بالرسائل الانتخابوية.