لمواجهة الدجل
الأثنين 27 أبريل, 2015 15:52 أحمد الدافري تحديث : 21 مايو, 2015 12:31في الوقت الذي كان فيه المغاربة مصدومين بخبر حادثة السير الفظيعة التي خلفت أكثر من ثلاثين شخصا، معظمهم أطفال، كانت بعض المواقع الإلكترونية وبعض صفحات وسائل التواصل الاجتماعي تنشر صور شاب يرتدي ملابس تقليدية، تضفي عليه بعض ملامح الوقار، ويلتف حوله مجموعة من الأشخاص، من بينهم رجال كبار السن، تبدو عليهم علامات الانجذاب التام نحو هذا الشاب، إلى حد التقديس وتقبيل اليد، اعتقادا منهم بأنه يملك قدرات خارقة، ويقي الناس من الحسد ومن أعمال السحر.
هذا الشاب الذي ينبغي على وسائل الإعلام أن تكثف الجهود لدراسة حالته، وتحديد مكان وجوده بالضبط، وتنبيه الناس للأكاذيب التي تروج عنه، ربما يكون مريضا عقليا. وفي هذه الحالة، لا حرج عليه. والقلم مرفوع عنه. مثله مثل الشخص الذي يسمى المكي، والذي كان يزاول دجله في الصخيرات، بتعاون مع بعض النصابين الذين كانوا يُقنعون ذوي العقول القاصرة بأن له قدرة على علاج كل الأمراض المستعصية على الطب الحديث، فقط بلمس قارورات المياه المعدنية التي يحملها المرضى، ومقابل “قوالب” من السكر يحصل عليها المشعوذ المكي من عشرات الآلاف من المرضى الذين يقصدون المكان، ويعيد أفراد عصابته بيعها لمرضى آخرين ينتظرون دورهم للحصول على لمسة يتوهمون أنها ستمنحهم الشفاء.
حسب تقرير كانت قد أصدرته مديرية محاربة الأمية والتربية غير النظامية بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة الأمية في 8 شتنبر 2013، تمكن المغرب من تقليص نسبة الأمية من 43% سنة 2004 حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى، إلى 28% حسب بحث وطني تم إجراؤه سنة 2012 حول محو الأمية. غير أن محاربة الأمية لا تعني محاربة الجهل، ولا القضاء على القصور الفكري، ولا الحد من الإيمان بالدجل والشعوذة. فالعقل العلمي والحس النقدي يغيبان أحيانا حتى في الأوساط التي تتوفر على نصيب من التعليم الجامعي، بسبب ضعف المقررات التعليمية التي لم تستطع مواجهة التخلف الاجتماعي، ولا حماية الأذهان من تسرب الخرافات الشعبية والمعتقدات الغيبية التي لا يقبلها العقل. ففي وسط ينتشر فيه الجهل وتسود فيه الأمية، من السهل أن تتحكم في عقول الناس نماذج مخبولة، مؤازرة بعصابات ومرتزقة، تبيع الوهم للباحثين عن البركة أو عن الشفاء، كما حدث مع دجال الصخيرات، عندما استغلته عصابة تمارس النصب والاحتيال من أوروبا الشرقية، ونظمت له رحلة إلى البوسنة، حيث حظي باستقبال عظيم هناك، وأجرى معه التلفزيون البوسني لقاءات وحوارات، سُمح له فيها بالحديث عن قدراته العجيبة، التي حسب ادعائه، يرجع الفضل فيها إلى كائنات عجيبة تشبه الضفادع، تنزل من السماء، ولا يراها إلا هو.
أمام انحسار دور المؤسسة التعليمية في تحصين المجتمع من الدجل والشعوذة، ينبغي على الإعلام أن يمارس دوره في الإشعاع والتنوير. فتأثير الإعلام، سواء كان مكتوبا، أو إلكترونيا، أو سمعيا بصريا، يكون قويا في المجتمعات التي تعاني من الهدر المدرسي ومن ضعف في جودة التعليم، كما هو الحال في المغرب. غير أن الإعلام لا يمكن أن يقوم بهذا الدور بطريقة ناجعة إلا إذا تسلح هو أيضا بالعلم والرصانة والعقل، وتجنب التضليل ونشر الدجل.