مطاردة الساحرات

الجمعة 1 أبريل, 2016 22:35 جمال الخنوسي
إحاطة -

انطلاقا من القرن 15 وإلى غاية القرن 18 شهدت أوربا الغارقة في التخلف والظلام أحداثا مأساوية راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء بتهمة ممارسة السحر والشعوذة وخدمة الشيطان.
فكان الناس يخرجون في هيستريا جماعية على الساحرات المفترضات بتشجيع من الكنيسة الكاثوليكية ثم البروتستانتية، فينكلون بالضحايا الذين عادة ما تصدر محاكم التفتيش في حقهم أقسى العقوبات، أي الإعدام حرقا أو تقتلهم القطعان الهائجة والعمياء.
وكانت الكثير من النساء يعترفن بجرائم خيالية تحت تأثير التعذيب الشديد مثل الطيران، ومضاجعة الشيطان، والتسبب في الأمراض، وحرق المحاصيل، والكوارث الطبيعية، حيث ابتكر رجال الدين خلال هذه الفترة أبشع ما اخترعه الكائن البشري من وسائل التعذيب. حتى أن بعض الاحصائيات تتحدث عن مايقارب 60 ألف ضحية خلال 300 سنة من الظلام القاتم والرعب الديني.
اليوم، ونحن في القرن 21 تخرج جحافل من الفتيان والراشدين في هيستيريا جماعية للتهجم على « ساحرة » مفترضة في عقر بيتها فيما يشبه تطبيق قانون الغاب، حيث حطموا ممتلكاتها وكسروا متاعها وبيتها بشكل همجي مفزع، وكأن التاريخ يعيد نفسه في منظر يشبه مطاردة الساحرات في أوربا الجهل .
ودون الدخول في تفاصيل ما اقترفته هذه السيدة، لأن ذلك من صميم عمل رجال الأمن الساهر على تطبيق القانون، نحن أمام مجموعة مسعورة « دارت شرع يدها » و »غيرت المنكر » بالعنف والتدمير وتهديد حياة الآخرين سلاحها الجهل وغياب الأمن وانتشار السيبة.
ما يشجع على هذه المنزلقات المفزعة، والانفلات الأمني الخطير، هذا الجو الشائع الذي تسهم فيه الحكومة الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية بشكل كبير يتجلى في مظاهر مختلفة:
هناك جو سائد من اللاعقاب خصوصا مع تجاوز المكفرين والغلاة لكل الحدود، وتوجيه التهم للآخرين، من سياسيين وفاعلين وإعلاميين، بل لمؤسسات الدولة أيضا باعتبارها كافرة وزنديقة وصهيونية دون أن ينالوا أدنى عقاب (أبو النعيم كمثال).
سياسيين ينهلون من قاموس الشارع ويقدمون أمثلة سيئة حول العمل السياسي والتعامل والاحترام الواجب للآخرين، حيث أصبح العنف اللفظي سلوكا يوميا عاديا في الشارع والبرلمان ومجلس الحكومة أيضا.
غياب الحزم والضرب بيد من حديد في قضايا مشابهة لثورة القطعان وهيجان المجموعات: في كرة القدم وحالات الشغب الخطيرة السابقة، التهجم على فتاتي الصاية بإنزكان التي وجدت من يبررها، التنكيل بمثلي فاس، والتهجم على مثليين في بني ملال حيث نال الضحية الذي نجى من الموت بأعجوبة أربعة أشهر حبسا يعني « كلها وزهرو حتى في خليان دار بوه ».
هذه كلها حالات قيل حينها أنها أحداث معزولة ولكنها أصبحت اليوم واقعا خطيرا لا يبشر بالخير حيث طفا على السطح جيل من المهمشين خارج التاريخ.. أشباه دواعش.. مطاردو ساحرات معاصرون.. ولدوا بيننا وترعرعوا عن حين غفلة.. ونحن اليوم ندفع ثمن الاهمال وغياب التربية وتغييب العقل وإفلاس التعليم.