بنكيران ممثلا

الجمعة 13 مايو, 2016 07:04 جمال بودومة
إحاطة -

يمكن ان نؤاخذ رئيس الحكومة على أشياء كثيرة، لكن علينا ان نعترف ان عبد الاله بنكيران احدث ثورة في الخطاب السياسي، من خلال طريقته في الحديث وتواصله المدهش مع كل شرائح المجتمع المغربي. الخصوم يقولون انها شعبوية، والمعجبون يعتبرونها صدقا وعفوية، والأنصار يرددون أن الله رزقه “القبول”، والجميع يترقب خرجاته بغير قليل من التشويق، ليس في المغرب فحسب بل حتى في بلدان اخرى، بما فيها اندونيسيا، كما أخبرنا بنفسه خلال إحدى خطبه الحزبية، التي لا تختلف كثيراً عن “الوان مان شاو”.

بنكيران ليس فقط رئيس وزراء بل “ظاهرة فرجوية”، الرجل يملك “جمهورا” و”معجبين” وهو يعرف ذلك ولا يخفي انتشاءه ب”النجاح” كأي فنان نرجسي. عندما تستمع الى رئيس الوزراء لا يسعك الا ان تبتسم، لانه لا يمكن ان يرمي ثلاث جمل دون ان يخبئ بينها قفشة او نكتة او زلة لسان. ضحكاته جاهزة ودموعه سريعة، لا يتورع عن مسحها امام الجمهور بعفوية تجد دائما وقعها في قلوب الناس.

عبد الرحمان اليوسفي ايضا، خلال خطبه الطويلة، كان يظهر البشاشة مع نهاية كل جملة، حتى وان لم تكن ثمة أشياء كثيرة تدعو إلى الابتسام في تجربة التناوب التي قادها. الحقيقة ان الامر لا يتعلق بابتسامة بل بحركة لا إرادية ترتبط بصعوبة غلق الفم، تكشيرة اضطرارية بسبب طاقم الأسنان المركبة على الأرجح. لكن الرجل يبدو اكثر رزانة وحكمة وشجاعة، ليث حقيقي… و”إذا رأيت نيوب الليث بارزة/ فلا تحسبن أن الليث يبتسم”، كما يقول الشاعر. ورغم أن خطبه نخبوية، لا تصل بسهولة الى المواطن البسيط، سيبقى اليوسفي زعيما سياسيا كبيرا، ساهم في التحول الحاسم الذي عرفه المغرب نهاية القرن المنصرم، دون ان يترك خليفة على اليسار، مع الأسف، وعندما تشيخ السباع، “القرودا كيلبسو الطرابش”!

عباس الفاسي لا احد يتذكر صوته تقريبا. الرجل كان مريضا، مثل السياسة في عهده، لكنه كان يبدع في “لغة الخشب”، وهي “اللغة الرسمية” للطبقة السياسية في المغرب. وحده بنكيران غادر “ورشة النجارة”. قوته في عفويته ودارجته السلسة التي يفهمها المغاربة بكل طبقاتهم. مع مرور الشهور والخطب والمؤتمرات، طوّر الامين العام لحزب “العدالة والتنمية” ضحكة مميزة تؤشر على تأقلمه مع الكرسي وارتياحه في المنصب. ما يشبه القهقهة المتحكم فيها، التي تبدأ بإيقاع مفتعل: “ها ها ها” ثم ترتفع تدريجيا لتتحول الى ضحكة مجلجلة، يوقفها بشكل مباغت ويستمر في الكلام، بشكل يربك خصومه. الرجل ممثل بارع. يملك موهبة ربانية، صقلها بالممارسة والتداريب. ولعله أفضل السياسيين في استعمال الدارجة. أسلوبه يعتمد على “السهل الممتنع”. العبارات تبدو كأنها أطلقت على عواهنها لكنها في الحقيقة مدروسة وموزونة بعناية، ونادرا ما تخطئ الهدف.

بعيدا عن الخطب العفوية والقفشات والعروض المسرحية، يبدو بنكيران اغرب رئيس وزراء في العالم. دستور 2011 منحه صلاحيات واسعة، لم يسبق ان تمتع بها أي وزير اول قبله، لكنه يضيع وقته في الشكوى والتبرير، “يطلب السلة بلا عنب”، كأي مغلوب على أمره، يقدم نفسه مثل مسكين يريد ان يصلح البلاد لكنهم يمنعونه. يتصرف مثل موظف لا حول ولا قوة له، لا يتوقف عن الاستكار وترديد “اللهم ان هذا منكر”، وان من يحكم ليس هو بل “الآخرون”. وعندما يسأل من هم هؤلاء “الاخرين”؟ يقول انهم التماسيح والعفاريت، أو فلان وعلان وخلفان ودحلان، ووسواس وخناس… وإلياس!