الحزب “الأغلبي”: وهم السلطة وحقيقة الديمقراطية (ج 2)

الثلاثاء 17 مايو, 2016 18:59 عبد اللطيف وهبي تحديث : 18 مايو, 2016 09:54
إحاطة -

إن الحزب “الأغلبي” الذي يريد التمدد والهيمنة الأخطبوطية على المؤسسات يجب أن لا ينسي ذلك المثل الأمريكي الذي يقول: “لكي يبقى النهر عريضا وواسعا يجب أن يحتفظ بشيء من ضحالة مياهه” هذه الضحالة النابعة من تراكم الأخطاء وتوجيه الرسائل بشكل فوضوي وعبثي واستعمال اللغة بدرجة التهديد وإزعاج الجميع، معتقدا أنه بذلك سيخلخل ذلك الصمت المريب الذي يخفي وراءه مؤامرة ضده، إنه الوهم الأبدي الذي يؤرق هذا الحزب الأغلبي، والرغبة في صنع القلق السياسي لن تجدي في شيء، فحينما تكون لأي حزب رغبةنيل الأفضل من جهود الآخرين فذلك لا يتم بإشعال نيران القلق حولهم ولكن بإشعال نيران الحماس بداخلهم، ذلك الحماس الذي يكون موضوعه القبول بالآخر، خاصة وأن الديمقراطية تعتمد على توافق الجميع لتصنع أغلبية قد تندحر إلى أقلية ثم تعود مرة أخرى إلى أغلبية، تختلف فيها الأحكام والمكونات، لا يؤثر فيها حزب بمفرده فهي تحولات تستهدف البحث عن توازن قوى فيما بين مكوناتها من أجل بناء ديمقراطية تضم الجميع وليس إقصاء البعض لفائدة الآخر، فهذا حلم الأطراف، أما النظام السياسي فإنه لا يسعى سوى إلى تعزيز توازن المبدأ نفسه، نظرا لدوره التحكيمي عند الخلاف السياسي وذلك من صميم مسؤوليته في استمرارية النظام السياسي ومكوناته المؤسساتية، فمن المفروض أن تكون رؤيته إلى الديمقراطية هي منح السلطة لمن حصل على الأصوات يفترض فيه إمكانيات فكرية وأخلاقية تستطيع توحيد جميع القوى لتقوية وحدتنا الوطنية ومسارنا الديمقراطي وتحسين سلوكنا السياسي، ومن تم فليس دوره تلبية رغبة سياسية لدى حزب معين قصد استمراريته في السلطة، ولكن مسؤول عن ضمان استمرار مسارنا الديمقراطي، وبالتالي على هذا الحزب الذي يدعي أن له القدرة للحصول على الأغلبية أن تكون له الجرأة على إدراك المشكل قبل أن يتحول الموضوع إلى أزمة.
لذلك فلغة الابتزاز لا تلين النظام السياسي ولا تضعفه، فأفضل طريقة لكسب رضا النظام هي أن تكون صادقا مع هذا النظام نفسه، أما التهديد بقصة رئيس أقيل في تونس، أو شباب تحرك في الشارع، أو حتى الطعن في الآخر المنافس وتجريمه و تهديده، فهي مجرد نوع من الفزاعات التي انتهت صلاحيتها بحكم طبيعة تطور الوضع السياسي وطنيا ودوليا، فرجالات الدولة من النظام أو من الأحزاب لا يفترضون أن هناك أشياء ستقع لمجرد أن قيادي في حزب سياسي ما قال ذلك أو كتبه أو حتى هدد به، فالقادة لا يتعاملون مع الواقع بتشاؤم أو بردود الأفعال، بل يجب عليهم أن يكونوا متفائلين، وأن تتجاوز رؤيتهم الحاضر لا أن يوظفوا أحداث سياسية قريبة بشكل مختزل لتهديد الجميع، وهذه الطريقة فشلت لأنها تحاول أن تجر الخصوم إلى الحلبة التي يكون قد رسمها رئيس الحزب المعلوم في المكان الذي يريده والزمن الذي يريده والموضوع الذي يريده، وحينما لا يجد من يواجههم يحاول صنعهم بالإشارة إلى دول الخليج أو بأسماء حيوانية لينتهي مثل ذلك الأعرابي الذي كان يصنع الأصنام من الحلوى ليعبدها وحين يجوع في الصراع السياسي سرعان ما يأكلها.
إن الخلط السياسي يكمن في خطاب السيد رئيس الحكومة والذي يشرعنه بحكايات عن لقاءاته الخاصة مع الملك، وهو تصرف غريب عن رجالات الدولة، لكون ما يمنح للسياسة تلك المسحة الأسطورية هي السرية، فسرية الحديث السياسي هي قمة أمانة المجالس التي لا يجوز الإخلال بها لمجرد أن الجمهور له رغبة في الاستطلاع أو من أجل جذب هذا الجمهور بحكايات وأحاديث تمت مع الملك، لأن من المفروض أن تتحدث الملوك بهمس حتى لا يسمعها الآخرون، و تكفي إشارة فقط ليعلم الجميع ما يريد أن يقوله الملك.
أما إذا عدنا لبعض الأحزاب التي حملت فكر اليسار الثوري لسنوات مضت والتي سعت نحو خلق الديمقراطية من خلال صراع سياسي له ما له وعليه ما عليه، خلق لديها نوعا من النضج جعلها تقبل الآن بالحوار وانتقلت من مرحلة البحث على نوع من التوازن في القوة مع النظام نفسه إلى نوع من التآلف بدون منافسة ولا صراع حول المواقع، فخلقت وضعا سياسيا مشتركا وبنت نوعا من السلم السياسي.
* محام ونائب رئيس مجلس النواب باسم الأصالة والمعاصرة.