المؤتمر “الاستثنائي” لحزب العدالة والتنمية، السياق والدلالات..

الأثنين 30 مايو, 2016 10:07 هشام الطرشي
إحاطة -

اختتم حزب العدالة والتنمية أشغال مؤتمره الاستثنائي الذي انعقد بنقطة فريدة في جدول أعماله والتي تتلخص في التمديد لبنكيران سنة إضافية على رأس الحزب، وهو ما تم بالفعل بإجماع من حضر.

تفرَّق الثلاثة آلاف شخص وهم حشد المنتسبين للحزب وتنظيماته الموازية الذين حضروا هذا المؤتمر “الاستثنائي” فعلا، وما بين كيفية انتقاء من حضر وأسباب إقصاء من غاب، نقف عند سياق تنظيم المؤتمر ودلالاته..

سياق تنظيم مؤتمر “استثنائي” صوري..

المتتبع للمشهد السياسي المغربي عموما والدينامية التنظيمية للأحزاب المغربية على وجه التحديد، يقف على الطرق المتباينة التي اختارت بها الأحزاب المغربية تجديد هياكلها التنظيمية بدءا بالمؤتمرات الوطنية وصولا إلى الهيآت المحلية والتنظيمات التابعة لكل واحدة منها.

باستحضار سياق تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2008، الذي كثيرا ما وصفه خصومه السياسيين بالتحكم وضبابية مقاصده السياسية، نجد أنه تعاقب على قيادته أربع أمناء عامين في ظرف ثماني سنوات. ذلك أن تجديد قيادة “الجرار” ارتبط دوما بتجديد هياكل الحزب وطنيا، جهويا، اقليميا ومحليا، ناهيك عما أحدثه الحزب من منتديات وهيآت تابعة له-لم يردها موازية-، إذ أنه مع كل أمين عام جديد كان لحزب الأصالة والمعاصرة موعد مع ورش التنظيم من خلال المؤتمرات التنظيمية واللقاءات التواصلية والتشخيصية والتي أفرزت خلال استحقاقات 2015-مثلا- برنامجا انتخابيا وطنيا وأخرى جهوية تستجيب لخصوصية كل جهة على حدى..

وعلى النقيض من ذلك، لم يكتف حزب العدالة والتنمية، والذي كثيرا من تغنى أمينه العام، عبد الإله بنكيران، وصقوره السياسيين والدعويين، بالديمقراطية الداخلية وشفافية المساطر المعتمدة في اختيار من يتحمل المسؤوليات السياسية، متهكمين على كل الأحزاب، على ضعف أجهزتها التنظيمية وتشبت قياداتها بمواقع المسؤولية وعدم فسحها المجال للكفاءات الحزبية في إطار التداول على تحمل المسؤوليات، (لم يكتفي) بتثبيت عبد الإله بنكيران أمينا عامل للحزب لولايتين متتاليتين، بل عمد، في سلوك حزبي متناقض كليا مع كل الشعارات التي كثيرا ما رددت على مرأى ومسمع الجميع، إلى التمديد له سنة إضافية تدخله رسميا إلى رئاسة الحزب لولاية ثالثة، وهو ما رأى فيه عدد من المتتبعين لما يقع داخل بيت “المصباح” أنه إعلان رسمي على “بنكرة حزب العدالة والتنمية” وتمكين عبد الإله بنكيران والتيار الموالي له من مفاتيح الحزب وجعله أصلا مُحَفَّظا باسمه.

وإذا كان أتباع حزب بنكيران يبررون التمسك بالزعيم السياسي “الذي لا يشق له غبار” في شعبوية سياسية أوصلت الخطاب السياسي إلى الحضيض، بكونه لا يُعقل أن يُغيَّر “فريق رابح”، في إشارة إلى أن ما حققه حزب العدالة والتنمية من انتصارات سياسية وانتخابية في عهد عبد الإله بنكيران لم يكن ليحققها مع غيره.

فإن القراءة المقابلة للأولى تتلخص في علاقة ذاتية صرفة وارتباط وثيق بالكرسي من جهة عبد الإله بنكيران نفسه وبالمناصب والمكاسب التي تعتبر مغانما بالنسبة للحزب وحركة التوحيد والاصلاح من خلفه. إذ أن بنكيران، وإن كان حريص على الظهور في كل مرة بمظهر السياسي القوي والأقدر على تحقيق النتائج الانتخابية التي لم يسبقه لها أحد، إلا أنه في حقيقة الأمر يعلم جيدا أن الكثير من المياه قد سرت تحت جسر السياسة في المغرب وأن قراراته اللاشعبية التي فرضها غصبا على الفآت الاجتماعية المعوزة والطبقة المتوسطة إضافة إلى العلاقة المتشنجة مع حلفائه السياسيين في الحكومة قبل خصومه في المعارضة، تجعله يحسب لكرسي الأمانة العامة للحزب ألف حساب وحساب، بأن لا يقامر بالتفريط في رئاسة الحزب تحت أي ظرف كان، مادام ان كرسي رئاسة الحكومة لن يكون بالسهولة والأريحية وحتى الإتكالية التي كانت سنة 2011.

في مقابل ذلك، يجد صقور حزب العدالة والتنمية ومن خلفهم حركة التوحيد والإصلاح، والذين أصبحوا شيعا وتيارات متناحرة داخلية تعتمد أساليب الضرب من تحت الحزام لإضعاف هذا وتقوية ذاك، (يرون) أنه لا حاجة للحزب في بنكيران ومن يدين له بالولاء إذا كان مآل الحزب هو موقع المعارضة الذي كان فيه قبل استحقاقات 25 نونبر 2011، لذلك تفتقت عبقريتهم التنظيمية على صيغة فيها الكثير من “الشونطاج”، تقضي برهن منصب الأمين العام للحزب بالحصول على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر ومنصب رئيس الحكومة، وهو الامتحان الأصعب الذي يكون عبد الإله بنكيران قد دخله فعليا ابتداء من عشية السبت الذي مُدِّدَ له خلاله عاما كاملا على رأس الأمانة العامة للحزب، أي إلى ما بعد الاعلان على نتائج الانتخابات التشريعية المقبلة.

دلالات مؤتمر “استثنائي” بطعم الحشد الانتخابي..

المبررات التي يقدمها المنتسبون لحزب العدالة والتنمية والمتمثلة في صعوبة الجمع بين الإعداد للمؤتمر الوطني والاعداد الجيد للانتخابات، مردودة على أصحابها، ذلك أن المرحلة الأصعب في الإعداد لأي مؤتمر وطني هي تلك المرتبطة بانتداب المؤتمرين وإعداد الوثائق، إضافة إلى الميزانية التي سيتم رصدها للمؤتمر من ترتيبات لوجيستيكية إلى الإقامة والتغذية والتواصل، وهي الأمور التي خاض فيها المؤتمر “الاستثنائي” بصيغة أو بأخرى، من خلال خلق لجنة تحضيرية عهد لسليمان العمراني رئاستها، وهي اللجنة التي سهرت على وضع كل تلك الترتيبات، فأين الاختلاف بين مؤتمر استثنائي وآخر عادي؟

واقع الحال يقول أنه في الوقت الذي تم فيه الإعداد الجيد للمؤتمر على المستوى اللوجيستيكي بما يظهر الحزب في “أبهى حلله، قويا شامخا” كما أريد الترويج له، وأيضا على مستوى التسويق له، وعلى مستوى الإقامة والتغذية للمؤتمرين الثلاثة آلاف، فإنه تم التغاضي على مسطرة “انتداب” هؤلاء المؤتمرين، حيث تمت الاستعانة بعائلات وأقارب البرلمانيين إضافة إلى المقربون والموالون لصقور الحزب وطنيا، جهويا وإقليميا بما يضمن مرور عملية التصويت “الصوري” للتمديد لبنكيران لسنة إضافية أمينا عاما للحزب، دون مشاكل أو مفاجآت قد تعري على حقيقة عمق الاختلافات والصراعات التي يعيش الحزب على وقعها منذ مدة ليست بالقصيرة.

خلاصة القول، تتمثل في كون المؤتمر الوطني “الاستثنائي” لحزب العدالة والتنمية كشف، من جديد، عن عديد متناقضات في تصريحات ومواقف الحزب ومن يسيره، سواء تعلق الأمر بالديمقراطية الداخلية أو التداول على تدبير المسؤوليات أو كيفية تدبير الاختلاف الداخلي أو حتى تمثله للاختلاف السياسي مع باقي المكونات السياسية الوطنية..

ليبقى المؤتمر محطة “استثنائية” في مسار حزب عبد الكريم الخطيب، حيث تم التطبيع رسميا مع شخصنة الحزب واختزاله في عبد الإله بنكيران وبالتالي إغناء رصيد الحق السياسي بـ”بَنْكَرَة حزب العدالة والتنمية” كتعبير جديد يعكس الأزمة التي يعيشها هذا الحزب وهو على مشارف استحقاقات تُجْمِع كل المؤشرات على أنه يدخلها وهو منهك القوى ضعيف العزيمة..