هل رمضان شهر رحمة؟
الخميس 2 يونيو, 2016 09:20 أسماء بن العربيأيام قليلة ويحل رمضان، الشهر الذي يحظى بمكانة خاصة لدى المسلمين، وإذا ما سألت عن تعريفهم له لن يترددوا في القول إنه شهر الرحمة، والخير، والمحبة، والتسامح، والمغفرة، الغاية منه الإحساس بالجائع والفقير، وتوحيد المسلمين، والكثير من العادات والعبادات والقيم الجميلة.
شهر بهذه المواصفات يفترض ان نشعر كأننا نعيش شهرا من الجنة على الأرض، نعيش في سكينة وحب ووئام. لكن للأسف رمضاننا يختلف عن هذا، فما ان يحل، حتى نوقن بأن تعريف رمضان يمكن حصره ببساطة في أعصاب متوترة وإسراف، فرمضان الذي ننتظر هو رمضان العبادة لكن رمضان الذي نعيش هو رمضان العادة. فالغايات التي فرض من أجلها رمضان لا تتحقق في غالب الأحيان، فمثلا جميل ان تحس لأيام معدودات بمن لا يجد ما يسد رمقه، لكن إذا كنا نشاركهم لحظات الجوع والعطش في نهار رمضان، ولا يكون لهم نصيب من موائدنا الممتلئة ليلا فكيف سنتذكرهم بعد رمضان وماذا سيضيف لهم صيامنا؟ فهم ليسوا بحاجة لمن يشعر بهم بقدر ما هم في حاجة لمن يساعدهم. أما الامتناع عن الاكل والشرب لساعات طويلة طواعية يفترض أن يعلمنا القليل من الصبر والقدرة على التحمل، لكن ما يحدث في الواقع عكس ذلك، ففي رمضان ينفعل الناس أكثر وتزداد العصبية وتصل في أحيانا كثيرة للسب والشتم والتشابك بالأيدي. فيكاد يكون من المستحيل أن تتجول في شوارعنا قبيل الإفطار، أو ان تقصد بعض الأماكن المزدحمة، دون أن تشهد مشادات بين الناس.
في رمضان يقبل الناس على العبادات والطاعات أكثر من الأيام العادية وهو شيء إيجابي، فتمتلئ المساجد، لكن للأسف حتى مساجدنا تشبهنا، فيصعب أن تجد صفوفا متراصة، أو أحذية مرتبة في مدخل المسجد، بل حتى النظافة التي تعتبر شرطا أساسيا في الصلاة تغيب في أغلب الأحيان. فبدل أن تنشغل بالصلاة وتخشع، تنتظر انتهاءها بفارغ الصبر لتهرب من الرائحة الكريهة المنتشرة بالمكان. ومن العادات المزعجة التي انتشرت في مساجدنا البكاء بصوت مرتفع اثناء الدعاء، والتأمين على بعض الأدعية التي تحرض على الكراهية والتفرقة وغيرها من السلوكيات التي تفقد المصلي خشوعه، وتفقد الصلاة قدسيتها.
وكما يتسابق الناس لدخول المسجد يتسابقون أيضا للخروج منه ويسارعون الى الخروج دفعة واحدة، مما يؤذي الى الازدحام والتدافع. فكيف لمن استطاع أن يصلي ساعة أو أكثر من الزمن أن لا يتمكن من تحمل دقائق من الانتظار ليخرج الجميع في هدوء؟ وهناك من يتفادى هذا كله ويختار الصلاة خارج المسجد. لكن هل سينال الأجر من يترك المسجد المخصص للصلاة ليصلي في الطرقات وامام أبواب المحلات مما يعرقل مصالح الناس، فجميل أن تصلي لكن بأي حق تجعل من صلاتك سببا لتأخير اخرين عن أعمالهم ومشاغلهم وواجباتهم؟
فما الفائدة من أن تستطيع أن تمنع نفسك عن الاكل والشرب ولكن في الوقت ذاته تقف عاجزا عن منع نفسك عن أذية الاخر؟ فما الفائدة من أن تصوم لأنه فريضة وأن تصوم عن عملك أيضا ولا تؤذيه عن أكمل وجه رغم أن العمل بدوره عبادة؟ وما الفائدة من ان تمتنع عن بعض العادات السيئة وتنتظر انتهاء رمضان بفارغ الصبر لتعود لها؟ ما الفائدة بأن تتهم الاخر بزعزعة عقيدتك إذا لم يصم بدل ان تنشغل بتقوية ايمانك؟
لست مجبرا على إخفاء إحساسك بالجوع والعطش والتعب في رمضان، حتى لا تظهر أنك أقل إيمانا من الاخرين، ولست مجبرا على البكاء بصوت مرتفع في المسجد لتبين أنك أكثر خشوعا وإيمانا، ولسنا مضطرين لتحمل ‘ترمضينتك’، فصيامك كغيره من العبادات بينك وبين خالقك، لن يضر المجتمع ان أديتها أو امتنعت عنها لكن طريقة تعاملك تأثر على الناس وعلى محيطك، فقبل أن تتم فريضة الصيام تذكر بأن الدين هو المعاملة.