حينما يصبح الفساد هو القاعدة
الثلاثاء 25 أغسطس, 2015 19:04 كمال بليلطأهم ما وصلت له البشرية في المجال الفلسفي والفكري المعاصر هو النسبية في مقاربة الظواهر والأشياء: كل شيء أصبح نسبي، لم نعُد نتحدّث عن الحقيقة المطلقة، حتى في العلوم الدقيقة. بل كل الخطابات تُعبّر عن مرحلة معينة، أو زاوية نظر محددة. وهذا النمط من التفكير نصادفه حتى في معيشنا اليومي، على سبيل المثال قبل قليل كنت أشاهد فيلما أمريكيا يصور قصة طبيب عسكري أمريكي عاد من العراق (الحرب)، فهذا العمل الفني يحكي الآثار المدمرة للحرب على شخصية الإنسان، وأن هذا الأخير من المستحيل أن يعود كما كان قبل الحرب إنسانا ‘سويا’، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يُبين بطولة الرجل لأنه كان في مُهمة وطنية، تخدم مصالح بلده. وأنا أشاهد هذا الفيلم بدأتُ أتساءل عن شعور المواطن العراقي الذي دُمرت بلده بالكامل، وهو يشاهد هذا العمل، الذي يُقدم الحرب على العراق كمهمة وطنية شريفة. هنا نُدرك تمايز وتباين المواقع: فكل إنسان ينظُر من زاويته وموقعه، فمصائب قوم عند قوم فوائد كما يقال.
لكن إذا كان هذا الإختلاف في زوايا النظر مقبولا في الخطابات الفكرية والأدبية والفنية، فالإستثناء المغربي شيئا آخر، فساستنا لا يختلفون في مقاربة القضايا والمسائل السياسية والاقتصادية …إلخ. بل تتباين زوايا نظرهم في القيم الأخلاقية والحقوقية البديهية، إذ صِرنا نسمع من أتباع وقادة بعض الأحزاب في حملاتهم الإنتخابية، وخرجاتهم الإعلامية أنهم يختلفون عن الآخرين بأن ذمتهم بريئة، أو لم يثبت في حقهم نهب أو سرقة للمال العام.
فالخطير في الأمر، هو أننا وصلنا إلى منحدر لن ينقدنا سوى تدخل الإله من عواقبه، كما قال مارتن هيدغر في منتصف القرن العشرين، فالمفزع في الأمر هو أن تصبح القاعدة نشازا، والنشاز قاعدة، وأن يصبح أداء الواجب شيئا نتفاخر به، أو نزايد على الآخرين به. فترويج هذا النوع من الخطاب عن وعي أو دون وعي، كارثي بكل ما في الكلمة من معنى، كأننا في غابة والحكم فيها للعظلات وللقوة الجسمانية، إذ أصبح الفساد هو المألوف، والواجب هو الإستثناء. وهذا خطاب مغلوط ويُسائل الجميع، وهو نفس الخطاب الذي يُسوَّق له في الإنتخابات، حيث يُحمِّل الشعب مسؤولية اختياره، ويُذكره بأن لا حق له في الشكاية أو التنديد في حالة انتخاب مرشح فاسد؛ كأن للمُنتخِب جهاز كاشف للصدق أو عدمه ! كأننا عاجزون عن محاسبة كل من يثبت في حقه مخالفة، أو اغتناء بغير وجه حق، بهذا الخطاب نناقض الدستور الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة، ويُحاكم الخطابات الرنانة القائلة بأننا دولة الحق والقانون، فهذه الأخيرة تسيرها المؤسسات والقوانين التي يحتكم لها الكل بدون إستثناء، لكن بهذا الخطاب المنبطح الفاسد نصور أنفسنا كأننا في قبيلة بدائية عاجزة عن تفعيل قانون من أين لك هذا ؟