قال المحلل السياسي عبد الرحيم منار اسليمي، إن قرار إعفاء ابن كيران من رئاسة الحكومة، وضع حزب العدالة والتنمية أمام محك احترام المقتضيات الدستورية، التي تؤطر قرارات الملك محمد السادس، منذ تكليفه ابن كيران بمهمة تشكيل الحكومة، وصولا إلى إعفائه من منصبه بعد فشله في تشكيل الحكومة، بعد مرور أزيد من خمسة شهور على تكليفه بالمهمة المسنودة إليه، وتكليف شخصية ثانية من الحزب نفسه.
وأضاف اسليمي، في تصريح لـ”آخر ساعة” عدد الجمعة أن قرار الإعفاء أشعل فتيل حرب تصريحات داخل حزب “البيجيدي”، موضحا أن القرار أفرز تيارين، الأول يدفع نحو اختيار شخصية ثانية من الحزب، لتكليفه بمواصلة المشاورات الحكومية، والثاني يدفع في اتجاه الخروج إلى المعارضة.
وأبرز اسليمي، أنه في حال هيمن تيار الخروج إلى المعارضة، وكانت له الكلمة الفصل في حسم تموقع الحزب، فإن “البيجيدي” يكون قد خرق المقتضيات الدستورية، ولم يحترم الخيار الديمقراطي.
وشدد رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، على أن بلاغ الديوان الملكي كان واضحا، وكرس احترام الملك المنهجية الديمقراطية، باختياره شخصية ثانية من الحزب الذي حل أولا في انتخابات 7 أكتوبر، كما كرس احترام المقتضيات الدستورية، على اعتبار أن الملك هو الساهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات الدستورية وصيانة الاختيار الديمقراطي، وفق منطوق الفصل 42 من الدستور. وأوضح اسليمي أن اختيار شخصية ثانية، يندرج في صميم الوثيقة الدستورية، على اعتبار أن الحزب لا ينبني على شخص معين، بل هي مؤسسة.
وفي سياق التداول في السيناريوهات الممكنة لخلافة ابن كيران، أكد أستاذ العلوم السياسية والسياسات العمومية بجامعة محمد الخامس اكدال بالرباط، أن مصطفى الرميد يُعتبر “شخص التوافقات”، وراكم خبرة كبيرة في وزارة استراتيجية (العدل والحريات)، كما أن عزيز الرباح شخص مقبول لدى الأحزاب، وهو “رجل الحوار” وقريب من رجال الاقتصاد، خاصة بعدما خبر وزارة كبيرة ممثلة في وزارة التجهيز.
واعتبر اسليمي أن فرضية تقديم سعد الدين العثماني بديلا لابن كيران، صعبة، باعتبار مروره الباهت على رأس وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، إضافة إلى أن الظرفية الدولية والتحولات الطارئة في المشهد السياسي الدولي، غير مواتية لتقلد العثماني منصب رئيس الحكومة.
في السياق نفسه، قال المحلل السياسي حسن التايقي إن الأنظار موجهة الآن صوب قيادة العدالة والتنمية، التي يتعين عليها أن تحسم في اختيار بديل ابن كيران، مضيفا أن الحزب أمام خيار اختيار شخصية ثانية أو الخروج إلى المعارضة. وتساءل التايقي: هل الشخصية الثانية مُؤهلة لمواصلة المشاورات الحكومية، بنفس جديد، وذلك بالقطع مع المنهجية العقيمة التي اعتمدها ابن كيران؟ وهل هي قادرة على إنتاج منهجية جديدة تتجاوز وضعية “البلوكاج” الذي تسبب فيه ابن كيران، طيلة خمسة شهور.
وأكد المتحدث أن قرار إعفاء عبد الإله ابن كيران، واختيار شخصية أخرى من حزب العدالة والتنمية، لم يكن مفاجئا، بل هي ممارسة دستورية سليمة ومنسجمة، من جهة مع منطوق الفصل 42 من الدستور، ومن جهة أخرى لا يتعارض مع مقتضيات الفصل 47، الذي ينص في فقرته الأولى على أن الملك “يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها”.
وأردف المتحدث أنه بغض النظر عن الجهة التي تتحمل المسؤولية في إنتاج هذا الوضع، “فإن مرور أزيد من خمسة شهور من العبث والاستهتار بمصير الوطن والمواطنين، تبرر، إن لم نقل تستوجب، تدخل الملك بصفته رئيسا للدولة، في إطار ممارسته مهامه الدستورية وضمانا لحسن سير المؤسسات”، بحسب التايقي، الذي قال: “بما أن البلاغ الصادر عن الديوان الملكي، أكد على أن تعيين الملك شخصية أخرى لا يمكنها أن تكون إلا من حزب العدالة والتنمية، فإنه أثبت انسجامه مع منطوق الدستور، وعزز حرصه على صيانة الاختيار الديموقراطي”. وخلص المحلل السياسي إلى أن من إيجابيات هذه الممارسة الدستورية، ستمكن البلاد من الخروج من النفق المسدود بسبب تعثر المشاورات، والانتقال من حالة الارتباك التي سيؤدي التمادي والاستمرار فيها إلى شلل مؤسساتي.
وكان بلاغ الديوان الملكي، أنه “سيتم تعيين شخصية سياسية أخرى من حزب العدالة والتنمية، وأن الملك سيستقبل في القريب العاجل هذه الشخصية، وسيكلفها بتشكيل الحكومة الجديدة”، مبرزا أن الملك فضل أن يتخذ هذا القرار السامي، من ضمن كل الاختيارات المتاحة التي يمنحها له نص وروح الدستور، تجسيدا لإرادته الصادقة وحرصه الدائم على توطيد الاختيار الديمقراطي، وصيانة المكاسب التي حققتها بلادنا في هذا المجال.