نعتقد ان المسرح كان ولايزال -باعتباره فضاء عاما- ينخرط في عمق التفكير الجماعي .. وفِي الذاكرة التي تؤسس لتاريخ نهضة الشعوب وحضارتها .. إنه لقاء مستمر وممتد في الفعل الإنساني ..لقاء لجمع شمل المجتمع للحديث عن ماحل به من أعطاب وامراض يفحصها ويشرحها لتصبح موضوع نقاش يهم الجماعة أكثر من الفرد … إن المسرح أيضا يلعب دور عالم نفس في انشراح النفس وتقويمها وتقوية مناعتها مما يحيط بها من معيقات وعقد كثيرة لاحدود لها ..ان المسرح يدفئ القلوب الباردة ..ويحرك الاجساد الذابلة.. وينعش الأرواح التائهة.. ويسعد النفوس الحزينة.. ويفتح الأبواب لكل الأحلام المنكسرة لتنطلق من جديد في سماء الخلق والابداع…
المسرح يحيي بداخلنا، ويقودنا لكي نسبح في حياتنا وحياة الآخرين وان نقاوم التيار والرياح وأمواجا من الظلاميين والارهابيين والمتعصبين والحاقدين … إنه الأمل في غد أفضل وفِي حياة أرقى .. ألم يكن شكسبير يقاوم بكلماته وشخصياته وأحاسيسه الظلم والظالمين في مجتمعه.. ويحث على الحب واحترام الاخر كائنا من كان .. ألم يكن تشيكوف يسلط الضوء على النفس ودواخلها ويحاورها من كل الزوايا ليرسل رسائله للعالم .. وينبهنا للاهتمام بالانسان فينا ومن حولنا، ويذكرنا اننا لا نساوي شيئا بدون الاخر.
الم يخبرنا غوته بالشر الذي قد يصبح سلطانا علينا ويقضي تماما على كل براءتنا ويفشي المساوئ في عقيدتنا وقلوبنا اذا ما لم نحمها من الانصياع والضياع وتحصينها وجعلها قادرة على الفهم والاختيار طبقا لمبادئها…
ألم يكن موليير يدعونا للدخول الى مجتمعه/مجتمعنا ورؤية عيوبنا وأمراضنا بدون مجهر لتطهيرنا..
الم يكن سوفوكل ويوريبيدس و إليوت و بريشت.. وابسن وبكيت..والعلج ..والصديقي.. وبرشيد.. وكولتيز.. وتوفيق الحكيم… كلهم يكتبون لنا تاريخ الانسان فينا.
العالم الْيَوْمَ ..اكثر من اَي وقت اخر ، يحتاج للمسرح ولكل صناع الفرجة ..يحتاج لمن يطرح عليه الاسئلة الصحيحة… وان يقوده الى الانفتاح والتواصل.. وخلق اجواء احتفالية تمكنه من الانعتاق من خطر التكنولوجيات البئيسة .. والتي عِوَض تقريب المجتمع من بعضه البعض اضاعته في بحر من الشبكات المعقدة وأفقدته حلاوة الجلسات الحميمية ..
لم يعد العالم كما كان من قبل .. لم يعد الإحساس كما الإحساس والكلام كما الكلام .. تبخرت الصالونات الأدبية ..فقد الكتاب مهابته..ولَم يعد القارئ يشعر بإحساس الورق والحبر وعرق الكاتب …لم تعد المسارح تفتح ابوابها كل ليلة بل وكل أسبوع لاستقبال عشاق الخشبة ورواد الانفعالات الداخلية …
اننا الْيَوْمَ ونحن نحتفل مرة اخرى باليوم العالمي للمسرح ملزمون بان نلعب نفس الدور الذي كان يلعبه عمالقة الركح في اَي زمان ومكان ..بجب ان نقاوم لكي نستمر ويستمر المسرح في مجتمعاتنا …ونجعل منه موعدا يوميا للعلاج والاحتفال وطرح السؤال…
ان كل من يكتب للمسرح أو يخرج أو يمثل اويصنع ديكورا أو يصمم اضاءة أو ينضم جولة.. يعتبر في نظري فاعلا ومحركا ومساهما في خلق روح جديدة في المجتمع …
وكل سنة ومسرحنا بألف خير