سيدتي البتول،
إلى روح البتول، فقيدة معبر سبتة المحتلة
سيدةَ الحمل الثقيل والرحيل الفاجع،
كم هو قاس هذا الوداع…
في مَعبر المذلة، لا أعرف كم كنتِ تحملين من حوائج وأثقالٍ ينوء به ظهرك، حين سقطتِ أرضا وتساقط فوق جسدك المتعب كل الراكضين إلى موعد الخبز المر.
ولا أعلم هل سيكون الآن بين الناس من سيسأل عن مصير أبنائك الذين انتظروا عودتك فلم يعد إليهم إلا جثمانك الصامتُ من وجومٍ والمتكوِّمُ من ألم…
ولا أعلم كم من الشُرَّاح سوف يتسابقون ليلصقوا التهمة بالقضاء والقدر. ويقرؤوا ما شاءت لهم المتون ويهددوا الناس – وأنت بينهم – وعيدا لا يرى في البشر إلا خطيئة عليهم أن يُؤدوا ثمنها من عرق الجبين ودم الكدح الرقراق.
بالأمس كانت الزنبقة “إيديا” تسلم الروح على عجل لأن المستشفيات والتكنولوجيا لا تعترف إلا بأبناء المترفين.
وأول الأمس عربد الولدُ المتخم بالمال السهل والسيارة الوقحة وأهان الشرطة. وقبل ذلك ماتت امرأة بألسنة اللهيب بعد أن أعيتها خناجر الوقت.
وقبل يوم واحد حاولت عائشة أن تلتحق بالسماء حين لاذت بعامود إضاءة لا يؤدي إلا إلى مصيرها الاسود وحتفها الأكيد…
وهناك أنكى وأمرُّ: إحصائية رسمية من بين الإحصائيات الكوابيسية تقول أن جيشا عرمرما تعداده 1.680.000 مغربي ومغربية عمرهم مابين 14 و24 سنة أغلبهم فتيات، لم يعطهم بلدهم شيئا: لا التربية ولا المعرفة ولا التعليم ولا المهنة ولا المستقبل…
أبكي عليك سيدتي البتول.
حقا هناك شيء من الوقاحة في عرض الغنى الفاحش في بلد لا زالت فيه سيداتٌ مثلكِ يواجهنَ الحياة بالخبز الأسود والشاي الرديء والزيتون المالح، لا يعرفن من الحياة إلا تعبها الممض، يحملن على ظهورهن الأثقال سدا للرمق، يُضفنها إلى ظلمِ المجتمع وتكلُّس السلطات، مثلما تحمل سيداتُ الجبالِ الحطبَ حتى تنحني ظهورهن أَوَدًا لا مذلة، ومثلما تعملُ صبايا البوادي منذ سني حياتهن الأولى حتى تزرقَّ أياديهن الوردية وتنتفخ أصابعهن وتنطفئ عيونهن على مهلٍ في شقق السيدات الأنيقات المتنشِّقات آخرَ صيحةٍ من عطر “شانيل”، ومثلما تبيع اليافعات أجسادهن حتى لا يمتن جوعا هن وآباؤهن وأخواتهن…
أنتنَّ الثروة الأولى والأخيرة.
أنتن وكل النساء كريماتُ النفس ممن يستيقظنَ قبل الفجر أو بعده، ليطعمن الجوعى ويقصدن الرزق الحلال ويبزُزْنَ كل من لا يرى فيهن إلا الناقصات. ناقصات العقل وناقصات الدين وناقصات الخُلق.
ألا إنهم الناقصون ولكن لا يعلمون…