من الممكن للمتتبع المغربي أن يلاحظ بسهولة، التشابه القوي بين خطاب وأسلوب مرشحة الجبهة الوطنية، للإنتخابات الرئاسية الفرنسة، مارين لوبين، في مواجهتها التلفزية ضد خصمها إيمانويل ماكرون، وبين خطاب وأسلوب الأمين العام، لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، على مختلف المستويات.
المستوى الأول، هو اللجوء للتهجم على الخصوم وعلى مشاريعهم وأفكارهم وشخصهم، بدل تقديم بدائل حقيقيةً، أي أن السياسة لدى هؤلاء هي تدمير حجج الخصوم والتحامل عليهم، سواء بشكل مباشر أو عبر الوسائط والمجندين في الشبكات الاجتماعية، التي يتحكمون فيها، مستعملين في ذلك التشهير والسب والقدف، إلى غير ذلك من الأساليب التي تُمٓيِزُ اليمين المتطرف.
المستوى الثاني، في المقارنة، يتعلق باستغلال خوف الناس من الواقع الاقتصادي والإجتماعي ومن الأزمات الثقافية والفكرية التي تعصف بالعالم، وتقديم بدائل النكوص والإنغلاق والإنعزال الهوياتي والإيديولوجي، الخادع وغير الواقعي، كردة فعل قوية، على ما أنتجته العولمة، من انصهار تام في اقتصاد السوق وفي النمط الإستهلاكي، الذي يمحو الخصوصيات الوطنية.
المستوى الثالث، يتمثل في غياب أي برنامج، يعتمد على المشاريع الملموسة والمعطيات والأرقام والأهداف الممكنة. البديل لدى هذا التوجه اليميني العنصري أوالرجعي، هو الطعن في اختيارات الإشتراكيين، وتحميلهم كل مصائب الدنيا، مقابل تقديم بدائل شعبوية، لا تعالج الإشكالات الحقيقية، بل تعتمد على شعارات كلامية، قد تدغدغ شعور الجمهور.
المستوى الرابع، يٓهُمّ الشكل والأسلوب، وهو لا يختلف عن المضمون، لكن القهقهات البليدة والسخرية التافهة، هي الرابط بين هذا الخطاب، حيث يعمل أصحابه على الإختفاء وراء التعبيرات السوقية، حتى لا ينفضح خواءهم السياسي والفكري، وعدم قدرتهم على عرض أفكار ومشاريع بناءة ومجدية وفاعلة.
صحيح أن التجليات اليمينية، المختلفة، سواء العنصرية والشوفينية والرجعية، تعتمد على الواقع المحلي، الثقافي والإجتماعي لكل منطقة، لكنها تشترك كثيرًا في كونها أيضًا نتاج لتحولات العولمة، التي عٓمّمٓت نموذجا استهلاكيا واحدًا وانتهاكا صارخا للحقوق الاجتماعية، وتنميطا ثقافيا سطحيا، لكن بديله ليس العودة للماضي والإنعزال والإنغلاق، بل بناء نموذج جديد، من التضامن والعدالة والمساواة، يستوحي أفضل ما أنتجته البشرية، من تقدم حضاري و إنساني، نحن جزء منه.