فاجأ الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته، فرانسوا هولاند، وهو يستعد لمغادرة الإليزيه، الرأي العام الفرنسي والمغربي برفع السرية عن جزء مهم من الوثائق المتعلقة بالجريمة الملغزة، التي تتعلق باختطاف واغتيال الزعيم اليساري الاتحادي الكبير المهدي بنبركة. وبرأي مراقبين، فإن قرار السلطات الفرنسية من شأنه أن يعبد الطريق لمسار جديد في الملف، وأيضا لوضع حد لكل السيناريوهات التي صدرت خلال السنوات القليلة الماضية، والتي ما إن تلصق التهمة بأحد الأطراف المتورطة في سفك دم اليساري الكبير المهدي بن بركة، حتى تنزعها منهم لتلصقها بآخر، الأمر الذي جعل دمه “متفرقا بين القبائل”.
وكان فرانسوا هولاند ختم ولايته بقرار يقضي برفع السرية عن 89 وثيقة تتعلق باختفاء الشهيد الاتحادي أمام مقهى “ليب” بالشانزيليزيه، في 29 أكتوبر 1965، وهو ما اعتبرته بعض الأوساط المهتمة بالملف اللغز قرارا تاريخيا، من شأنه أن يكشف عن جزء من الحقيقة، وإن كان مطلب عائلة بنبركة هو الكشف عن الحقيقة كاملة.
وفي حديثه لـ”آخر ساعة” في عدد نهاية الأسبوع الحالي من الديار الفرنسية، قال البشير بن بركة، نجل المناضل الاتحادي المهدي بنبركة، إن هذا القرار الذي رفعت من خلاله فرنسا السرية عن بعض الوثائق المتعلقة بملف والده، سيكون تاريخيا في الوقت الذي تكشف هذه الوثائق عن الحقيقة أو على الأقل جزء من الحقيقة، مضيفا حول القرار: “إنها خطوة إيجابية من قبل السلطة الفرنسية، وتظهر نوعا من حسن النية من أجل مساعدة القضاء في هذا الملف. لكن الأساسي بالنسبة لنا، هو معرفة مضمون هذه الوثائق التي ليست لنا أية فكرة حول طبيعتها، وبالتالي إننا ننتظر الاطلاع عليها مع قاضي التحقيق حين استلامها”.
وإذا كان كثير من المهتمين بالملف قد اعتبروا أن قرار رفع السرية عن بعض وثائقه، جاء منسجما مع البحث الدؤوب عن مصير الشهيد، فإن البشير بنبركة يرى أن هذا القرار جاء متأخرا، “كنا نتمنى أن يصدر القرار قبل ذلك بسنوات، خاصة أننا نطالب منذ أعوام برفع الحجز عن عدة وثائق، لكن على كل حال اتخذ القرار اليوم، وهو خطوة إيجابية بالنسبة لنا”، غير أننا، يضيف نجل بن بركة، نتمنى أن تتخذ السلطات المغربية خطوات إيجابية تسير في الاتجاه نفسه.
“إن الحقيقة موجودة عند الطرفين، المغربي والفرنسي.. الآن الطرف الفرنسي قام بخطوة، ونتمنى من السلطات المغربية أن تقوم بدورها بخطوة مماثلة، تسير في اتجاه معرفة الحقيقة”، يقول البشير.
وحول ما إذا كانت هذه الوثائق ستكشف عن تفاصيل جريمة اختطاف واغتيال الزعيم الاتحادي، وضمنها الكشف عن مكان دفن جثته، قال البشير هذا أملنا كعائلة من هذه الوثائق الجديدة، “لكن هذه الوثائق ليست سوى جزء من الحقيقة، إذ إن جزءا آخر من الحقيقة هو في حوزة الشهود الذين ما زالوا على قيد الحياة، والمعروف منهم، هو أنهم مازالوا موجودين في المغرب. لذلك، نتمنى من السلطات المغربية الاستماع إلى هؤلاء الشهود كما هو مطلوب منهم من قبل القضاء الفرنسي، وهذا سيساهم في تكامل معرفة الحقيقة حول مصير المهدي”.
وأكد البشير بن بركة أن هناك حكايات كثيرة صدرت حول اختطاف واغتيال والده، وبقدر ما ساهمت في رسم ملامح الجريمة بقدر ما بعثرت خيوطها، “هناك حكايات كثيرة، ضيَّعت وقتنا في متاهات لم يكن داعي لخوضها، لكن الشيء الذي سيوقف تناسل هذه الحكايات حول الملف، هو الإفراج عن هذه الوثائق من قبل السلطات الفرنسية، بل كل الوثائق، المغربية والفرنسية والشهادات الموجود أصحابها بالبلدين أيضا”.
وإذا كان البعض يعتبر رفع السرية عن 89 وثيقة في ملف ضخم لن يزيل طابع اللغز عن الملف، فإن البشير يرى أن وثيقة واحدة يمكن أن تضم أشياء مهمة، كما أن شهادة واحدة من طرف عناصر سابقين في الأمن المغربي من شأنها أن تكشف عن الحقيقة، “ولهذا نتمنى من الأشخاص الذين هم على قيد الحياة أن تكون لهم روح إنسانية من أجل مساعدتنا نحن كعائلة لمعرفة الحقيقة، وأيضا مساعدة الرأي العام المغربي والفرنسي، لمعرفة مصير المهدي كرائد سياسي وأيضا كرجل أعطى الكثير لبلده ولشعوب العالم الثالث”، يقول البشير.
يذكر أن قرار رفع السرية عن 89 وثيقة من وثائق وزارة الدفاع الموجودة ضمن أرشيف مصلحة الوثائق الخارجية ومحاربة التجسس الفرنسية، والمتعلقة بملف المعارض المغربي المهدي بنبركة، تم نشره في الجريدة الرسمية الفرنسية بتاريخ 5 ماي الجاري، كنتيجة لمداولات اللجنة السرية للدفاع الوطني، والتي أصدرت رأيها الإيجابي برفع السرية عن هذه الوثائق.