إذا كانت هناك نصيحة وحيدة يمكن أن يقدمها المرء إلى وزير الثقافة والاتصال الجديد، ستكون بالتأكيد التخلي عن استعمال تعبير « المقاربة التشاركية » لأنها لم تعد تعني شيئا على الإطلاق. فقد جعل منها زميله السابق في الاتصال، مصطفى الخلفي، مرادفا للمثل الشعبي الرديء « شاورها وماديرش برايها».
وعند حلول محمد الأعرج ضيفا على زميلنا بلال مرميد في برنامجه الأسبوعي على شاشة ميدي 1 تيفي، ردد الوزير التعبير سيء الذكر أكثر من سبع مرات، دون أن يعي أنه أصبح فارغا من أي دلالة، ولا يعدو أن يكون تنميقا وأرابيسك يدخل في باب لغة الخشب.
والحق يقال إن ظهور وزير الثقافة والاتصال في التلفزيون كان منتظرا بشكل كبير لسببين: أولا أن الوزير الجديد مجهول عند شريحة واسعة، وثانيا أن الوزيرين السابقين في الثقافة والاتصال تركا إرثا ثقيلا ولا يمكن إلا الابتهاج لرحيلهما والأمل في أفضل خلف لأسوء سلف.
فوزير الثقافة نام لمدة خمس سنوات ووزع شؤون الوزارة على محيطه ومستشاريه، ولم يقم بعمل يذكر سيرا على السنة الذميمة «ماديرش ماتخافش » فخرج من الوزارة كما دخل : محزما بالأصفار.
أما وزير الاتصال فقد أعدم السينما وشوه التلفزيون وأغرق المجال باللجن وإصدار الكتب البيضاء والحمراء والخضراء وتنظيم الأيام الدراسية والوطنية ..
وبقدر ما كان الانتظار كبيرا، لم يكن الظهور مقنعا، ولم يحمل الوزير معه شيئا إلى بلاطو التلفزيون، بل أكثر من ذلك أبان جهل بالملفات والكوارث التي تركها سابقاه في السينما والتلفزيون والكتاب والمسرح … بالمقابل وعد الجميع بالرجوع إلى « الوثيقة الدستورية » حيث كرر الكلمة أكثر من 14 مرة، وبترسانة « قانونية » كررها أكثر من 50 مرة في 50 دقيقة.
إن آخر ما ينتظره أهل القطاع في الثقافة والاتصال والمواطنون عموما، ليس لغة الخشب، أو الاختباء وراء الوثيقة الدستورية، لأن الدستور، والوزير سيد العارفين، نص مفتوح يقبل القراءات المتعددة، و « الجرائم » التي ارتكبها الخلفي قبله كانت استنادا إلى الوثيقة الدستورية، وحتى الكسل والخمول والجمود القاتل الذي مارسه أمين الصبيحي لا يتنافى مع الوثيقة الدستورية في شيء.
ما يلزم الآن هو اطلاع واسع بالملفات، ورفع التحديات، والعمل الدقيق، وتقديم استراتيجية شاملة وواضحة للنهوض بالكتاب، وإصلاح حال المسرح، والتلفزيون، والسينما .. فالنوايا الحسنة لم تعد تكفي.
لقد تحدث الأعرج طويلا ولم يقنع، إلا أن حداثه على رأس قطاعي الثقافة والاتصال يمكن أن تشفع له كثيرا في زلاته الأولى، لذلك نتمنى أن يكون ذراعه أطول من لسانه، أي أكثر فعالية ونجاعة حتى يصلح ما أفسده الفاشلان.