الجماهري يكتب: ربما يحرقون‭ ‬آخر‭ ‬أجمل‭ ‬شيء‭ ‬فيهم…‭ ‬جواز‭ ‬أو‭ ‬بطاقة‮!‬

يخطئ‭ ‬من‭ ‬يعتبر‭ ‬بأن‭ ‬الذين‭ ‬مزقوا‭ ‬جوازات‭ ‬السفر،‭ ‬أو‭ ‬أحرقوا‭ ‬بطائق‭ ‬الوطن‭ ‬في‭ ‬جيوبهم‭ ‬فعلوا‭ ‬ذلك‭ ‬بتأثير‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬الحسيمة‭ ‬أو‭ ‬حبا‭ ‬في‭ ‬والد‭ ‬الزفزافي‮..‬ ‭ ‬أو‭ ‬تماهيا‭ ‬مع‭ ‬فكرة‭ ‬ما‭ ‬عن‭ ‬الوطن.

بل‭ ‬هو‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬القلب‭ ‬المعلب‭ ‬في‭ ‬ديكور‭ ‬بسيط‭ ‬لأحقاد‭ ‬صغيرة‮..‬
الذين‭ ‬فعلوا‭ ‬ذلك‭ ‬سبق‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬أحرقوا‭ ‬مراكبهم قبل‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬حشود‭ ‬الغضب‮..‬
لم‭ ‬يكونوا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬جواز‭ ‬سفر لأنهم‭ ‬غادروا‭ ‬البلاد‭ ‬وهم‭ ‬‮..‬‭ ‬في‭ ‬داخلها‭ ‬ ووسط‭ ‬ترابها‮..‬

ومزقوا‭ ‬الوصل‭ ‬الذي‭ ‬يربطهم‭ ‬بوطن‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يبحث‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬مواطئ‭ ‬قدم‭ ‬تحت‭ ‬شمس‭ ‬الله‭ ‬الواسعة‮..‬ وهم‭ ‬بيننا‭ ‬‮..‬

قبل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬تباروا‭ ‬في‭ ‬إعلان‭ ‬حرائقهم‭ ‬الصغيرة‭ ‬على‭ ‬الشاشات‭ ‬المأذونة‭ ‬وغير‭ ‬المأذونة،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬فعل‭ ‬نفس‭ ‬الشيء،‭ ‬لأنه‭ ‬أصبح‭ ‬يعتقد‭ ‬بأنه‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬البلاد‮…‬ ‭ ‬وأكبر‭ ‬من‭ ‬نضالاتها‮..‬ ‭ ‬وأكبر‭ ‬من‭ ‬شعبها‮..‬

على‭ ‬قناة‭ ‬فرانس‭ ‬24‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬بطل‭ ‬رياضي‭ ‬احتضنته‭ ‬بلاده‭ ‬ولم‭ ‬تجده‭ ‬في‭ ‬حضنها،‭ ‬ظلَّ‭ ‬يلاكم‭ ‬الأشباح‭ ‬حتى‭ ‬‮..‬‭ ‬أصاب‭ ‬نفسه‭ ‬بالحريق‮!‬ وقبله‭ ‬كان‭ ‬المغني‭ ‬يغني‭ ‬لأحقاده،‭ ‬ولم‭ ‬ننتبه‭ ‬بأنه‭ ‬وضع‭ ‬عنوانا‭ ‬خاصا‭ ‬لرابطته‭ ‬بالبلاد‭ ‬وأنه‭ ‬يحقد‭ ‬علينا‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬وما‭ ‬بينهما،‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬الطائرة‮..‬

لهذا‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬التجني‭ ‬أن‭ ‬نربط‭ ‬جنون‭ ‬الحرائق‭ ‬الصغيرة‭ ‬بما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬المقاتل‭ ‬والقوي‭ ‬‮..‬هم‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬الجوازات‭ ‬التي‭ ‬بحوزتهم‮…‬ احترقت‭ ‬أم‭ ‬بقيت،‭ ‬لا‭ ‬تكشف‭ ‬بالضبط‭ ‬درجة‭ ‬انتمائهم‮..‬

لن‭ ‬نقارنهم‭ ‬بالمعارضين،‭ ‬المنفيين‭ ‬والمشردين‭ ‬والذين‭ ‬كانوا‭ ‬يتعلقون‭ ‬بحبة‭ ‬رمل‭ ‬أو‭ ‬ورقة‭ ‬في‭ ‬وثيقة‭ ‬رسمية‭ ‬لبلادهم‮..‬‭ ‬وكانت‭ ‬الدولة‭ ‬وقتها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تمنعهم‭ ‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬يمنعون‭ ‬أنفسهم‭ ‬منها‮:.
لن‭ ‬نذكر‭ ‬المقاتلين‭ ‬الحقيقيين‭ ‬والمحكومين‭ ‬بالإعدامات‭ ‬..‬تلك‭ ‬مقارنة‭ ‬لا‭ ‬تستقيم‮:‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لهم‭ ‬قضية‭ ‬وطن‭ ‬لكي‭ ‬يدخلوا‭ ‬خانة‭ ‬المقارنة‮!‬

في‭ ‬الهامش‭ ‬الذي‭ ‬صاحب‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الحالية،‭ ‬لن‭ ‬نعدم‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يثقب‭ ‬سقف‭ ‬الوطن‭ ‬بمطالب‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬لهه‭ ‬بصلة‭ .

جماعة‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬مثلا‭ ‬تخرج‭ ‬إلى‭ ‬الشارع،‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬الجمهورية،‭ ‬وتطالب‭ ‬الريف‭ ‬بأن‭ ‬يسير‭ ‬إلى‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬لكنها‭ ‬جماعة‭ ‬كانت‭ ‬توجد‭ ‬قبل‭ ‬الاحتجاج‭ ‬، وستظل‭ ‬موجودة‭ ‬بعد‭ ‬الاحتجاجات،‭ ‬كما‭ ‬توجد‭ ‬اللغات‭ ‬الميتة‭ ‬في‭ ‬قواميس‭ ‬باردة‭ ‬ أو‭ ‬أسلحة‭ ‬عتيقة‭ ‬عن‭ ‬زمن‭ ‬الوندال‮!‬

على‭ ‬هامش‭ ‬الحضارة‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬الرفيعة‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬‮..‬‭ ‬ إلى‭ ‬زاوية‭ ‬ضيقة‭ ‬في‭ ‬دبلوماسية‭ ‬الآخرين‮..‬ يحدث‭ ‬أن‭ ‬سماء‭ ‬الحرية‭ ‬الواسعة،‭ ‬قد‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬غربان‭ ‬متسرعة‮..‬ يحدث‭ ‬أن‭ ‬يتخلل‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬بعض‭ ‬حمقى‭ ‬وغير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الجديرين‭ ‬باليأس‮…‬ يحدث‭ ‬أن‭ ‬ينتقم‭ ‬أحد‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬نفسه،‭ ‬وهو‭ ‬يعتقد‭ ‬بأنه‭ ‬ينتقم‭ ‬من‭ ‬مغربيته يحدث‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬‮:‬‭ ‬أن‭ ‬يفتخر‭ ‬البعض‭ ‬بأنه‭ ‬صار‭ ‬‮..‬ ‭ ‬أجنبيا‭ ‬عن‭ ‬بلاد‭ ‬يقول‭ ‬بأنه‭ ‬يحبها‭ ‬كثيرا كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬يطلب،‭ ‬ضمنيا‭ ‬شهادة‭ ‬عجز‭ ‬عاطفي‭ ‬عن‭ ‬مواكبة‭ ‬بلاده‮!‬

يحدث‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬وسيحدث،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬احتفالات‭ ‬فاتح‭ ‬ماي،‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬طرقات‭ ‬المظاهرات‭ ‬وغيرها‮:‬يخرج‭ ‬بعض‭ ‬‮«‬المناضلين‮»‬‭ ‬حاملين‭ ‬سيوفا‭ ‬لا‭ ‬ترى،‭ ‬يثقبون‭ ‬سماء‭ ‬الوقت،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬يستسيغ‭ ‬ذلك‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬التعامل‭ ‬هو‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يقادون‭ ‬برفق‭ ‬إلي‭ ‬خارج‭ ‬المظاهرات،‭ ‬مثلما‭ ‬لو‭ ‬نطردهم‭ ‬إلى‭ ‬‮»‬وطنهم‮«‬‭ ‬الوهمي‮..‬ منهم‭ ‬من‭ ‬كبر‭ ‬ونضج‭ ‬وصار‭ ‬أكثر‭ ‬سخرية‭ ‬من‭ ‬نفسه‮!!!‬‭ ‬ والذين‭ ‬يحترقون‭ ‬حبا‮..‬ ما‭ ‬زالوا‭ ‬هنا،‭ ‬يصرخون ويحتجون‭ ‬ويغضبون‭ ‬ ويلعنون‭ ‬الظلام،‭ ‬وإذا‭ ‬أشعلوا‭ ‬شيئا،‭ ‬ كان‭ ‬قلبهم‭ ‬
وإذا‭ ‬ما‭ ‬أضرموا‭ ‬النار أضرموها‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يملكون‭ ‬من‭ ‬عاطفة‮..‬

لن‭ ‬يكونو‭ ‬العنوان‭ ‬الساري‭ ‬للمرحلة،‭ ‬ولن‭ ‬يكونوا‭ ‬أبدا‭ ‬جدول‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬القضية‮..‬ ربما‭ ‬ربما،‭ ‬يحرقون‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬فيهم،‭ ‬جواز‭ ‬أو‭ ‬بطاقة‭ ‬‮..!‬‭ ‬

Total
0
Shares
المنشورات ذات الصلة